العملاق
الشيخ محمد الليثي
y
السبت، 11 فبراير 2017
الخميس، 26 يناير 2017
الاثنين، 23 يناير 2017
أمسية بلبيس عام 99
أمسية للتحميل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 45، 50].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾:
المتقون: هم الذين فعلوا الطاعات واجتنبوا المعاصي والذنوب.
جنات: أي بساتين جامعة للأشجار، وسمِّيت جنة؛ لأنها تجنّ من فيها: أي تستره لكثرة أشجارها وأغصانها.
العيون: هي الأنهـار الأربعة: ماء، وخمر، ولبن، وعسل، وهذه الأنهـار تجري من تحت القصور والأشجار، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15].
قوله تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ﴾ أي:
بسلامة من كل داء وآفة. وآمنين: أي من كل خوف وفزع، ولا تخشوا من إخراج، ولا انقطاع شيء من النعيم الذي أنتم فيه أو نقصانه، كالموت، والنوم، والمرض، والحزن، والهم، وسائر المكدرات، كما قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 34]، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينادي منادٍ إن لكم أن تَصِحُّوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]» [1]، والأمن مطلب لجميع الناس في الدنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى عن أهل الجنة (آمنين)، حتى تكتمل السعادة والفرحة.
قال أمية بن الصلت:
وحل المتقون بدار صدق
وعيش ناعم تحت الظلال
لهم ما يشتهون وما تمنوا
من الأفراح فيها والكمال
قوله تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]:
الغلّ: هو الحقد والعداوة، فَبَيَّنَ تعالى في هذه الآية الكريمة أنه نزع ما في صدور أهل الجنة من الغل في حال كونهم إخواناً، وبيَّن هذا المعنى وزاد أنهم تجري من تحتهم الأنهار في نعيم الجنة، وذلك في قوله: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].
قال ابن كثير: وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فَيُقَصُّ لبعضهم من بعضٍ مظالمَ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة»[2].
ولما دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعدما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وأدناه وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].
والحكمة في نزع الغلِّ؛ حتى تكتمل السعادة والفرحة، فإن الغلَّ يفسد القلوب ويضيق به الصدر، ولذلك شرح الله صدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأرسل الله له في صغره مَلَكين، ونزعا ما في صدره من الغلِّ والحقد وغسلا قلبه.
قوله: ﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾:
السرر: جمع سرير مثل جديد وجُدد، وقيل: هو من السرور، فكأنه مكان رفيع ممهد للسرور، قال ابن عباس: على سرر مكلّلة بالياقوت والزبرجد والدّر.
السرير ما بين صنعاء إلى الجابية وهي قرية بالشام، وما بين عدن إلى أيلة وهي مدينة على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام، وقد وصف الله هذه السرر بأنها منسوجة بقضبان الذهب وهي (الموضونة)، فقال: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الواقعة: 13، 16].
وقيل: الموضونة المصفوفة، كقوله تعالى: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الطور: 20].
وأيضاً هذه السرر مرفوعة، قال تعالى: ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 34]، وقال سبحانه: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ [الرحمن: 76].
قوله تعالى: ﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾:
أي: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وذلك دليل على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم، في كون كل منهم مقابلاً للآخر لا مستدبراً له، متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر.
قوله تعالى: ﴿ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 48]:
بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء، و﴿ نَصَبٌ ﴾: نكرة في سياق النفي فتعمُّ كل نَصَب، فدلت الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والمشقة، وأكد هذا المعنى سبحانه، فقال تعالى: ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 35]؛ لأن اللغوب هو التعب والإعياء، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»[3].
قوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾:
بيَّن تعالى أن أهل الجنة لا يخرجون منها، فهم دائمون في نعيمها أبداً بلا انقطاع، وأوضح سبحانه هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 54] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49-50]:
هذه الآية موازية لقوله صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد»[4].
فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائماً بين الخوف والرجاء والرغبة والرهبة، ويكون الخوف في الصحة أغلب عليه منه في المرض، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها، فالقنوط من رحمة الله يأس، والرجاء مع التقصير إهمال، وخير الأمور أوساطها[5].
الآيات الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة وحتى الآية الواحدة والعشرين تبدأ بقوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
هؤلاء الذين اتقوا ربهم في الدنيا، هؤلاء الذين غضوا أبصارهم هؤلاء الذين حفظوا فروجهم، هؤلاء الذين حرروا دخلهم، هؤلاء الذين أنفقوا مالهم فيما شرع الله عز وجل، هؤلاء الذين ربوا أولادهم، هؤلاء الذين حملوا زوجاتهم على طاعة الله، هؤلاء الذين أقاموا الإسلام في بيوتهم، هؤلاء الذين أقاموا الإسلام في عملهم، هؤلاء الذين رجوا رحمة ربهم.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)﴾
هذه الثمرة، وهذه النتيجة،
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾
يعني، أيام إنسان يدع ويكرم، يجلس في أجمل مكان وعلى أفخر أريكة وأمام أجمل مناظر، تقدم له أنواع الشرابات، أنواع المقبلات، يخدم خدمةً رائعة، تقدم له ألوان الأطعمة، ألوان اللحوم، أنواع الفواكه، أنواع الحلويات، الورود، يعطر، يكرم، يشيع إلى الباب.
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾
كانوا في دنيا، كانوا في دار عمل، واليوم دار جزاء، كانوا في دار تكليف، واليوم دار تشريف، كانوا في دار كد والآن دار متعة،
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾
لماذا يعاملون هذه المعاملة ؟ لماذا يكرمون هذا التكريم ؟ لماذا هم في أعلى درجات السعادة ؟ قال:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
هذا الثمن أن تكون محسناً في الدنيا، مطلق، تحسن عملك، تتقن عملك، تضبط لسانك، تربي أولادك، تكتفي بما أحل الله لك، تأخذ ما لك تترك ما ليس لك
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
لك صنعة أتقنها إرحم المسلمين بالأسعار، أتقن الصنعة من أجل أن ترقى،
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
ثمن هذه الجنة، التي لهم فيها ما يشاءون، التي هم يأخذون ما أتاهم ربهم، ثمن هذه الجنة
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
عمله طيب، في إنسان عمله سيئ، جار خبيث، جار شرير، جار عدواني.
أخ كريم يعمل في إكساء البيوت، أحد العمال يحمل أنبوب حديد مس سيارة الضوء الخلفي، أقسم لي بالله وهو صادق الضوء جرح اثنين سانتي، جرح ما انكسر، نزل صاحب المركبة أقام النفير، قال له كل خساره عليك، قال له: أمهلني إلى الغد، في الغد قال له: ثمانية عشر ألف وخمسمائة، قال له الضوء كله ثمنه ثلاثة آلاف، قال له ثمانية عشر ألف وخمسمائة، وإلا بقيم قيامتك، لأنه السيارة خاست قال له ركب ضوء جديد، قال له بفك الضوء وتركيبه السيارة خاست قال لي ثاني يوم آكل ضرب الصندوق واصل للمقعد الخلفي، بكاملها ما عاد طالبني بشي أبداً.
في إنسان عدواني، شرير، ما بريح أحد، واحد عمر غرفة بأرض الديار، بيته أرضي، بدو يزوج ابنه، لا حجب ريح، لا حجب منظر لا حجب شمس ضمن وجيبته الداخلية، خبر هدلوا ياها، عدواني.
هؤلاء
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
في محسن، وفي مسيء، في متواضع، في متكبر، في مفسد، في مصلح ، في مستقيم، في منحرف، في خائن، في مخلص، في معطاء، في أخَاذ، يبني حياته على الأخذ، في إنسان يبني حياته على العطاء.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
هذه الجنة التي ينعمون بها، هذا النعيم المقيم، لهم فيها ما يشاءون،
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾
هذا العطاء بسبب ذاك الإحسان.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
لماذا صار محسناً ؟ من أين جاءه الإحسان ؟ من أين جاءه هذا الفضل ؟ طيب ما هذا التواضع ! ما هذه الرحمة التي في قلبه ؟ ما هذا الإنصاف ؟ ما هذه الواقعية التي يحياها؟ ما هذا القلب الكبير الذي يسع جميع الناس
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
قال
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) ﴾
آيات متسلسلة، الجنة بسبب الإحسان، الإحسان بسبب الاتصال بالله، الله عز وجل مصدر كل كمال، فاتصلوا به فأصبحوا محسنين
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)﴾
اتصالهم وتهجدهم وإقبالهم وتذللهم وافتقارهم وصلتهم بالله عز وجل صبغة قلوبهم بالكمال، فأصبحوا محسنين.
يعني الإنسان إذا اتصل بالله، الأثر الواضح أنه محسن، في كل شيء محسن، في بيته في عمله، في صنعته إن كان تاجر صادق، أمين لا يكذب، لا يغش، لا يحتال، لا يحاذي، إذا كان صانع متقن معتدل، في أي شيء
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ﴾
طيب، كيف اتصلوا بالله عز وجل ؟ بدنا السبب، قال
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
أنفقوا من أموالهم فاتصلوا بربهم فأحسنوا إلى خلقه فاستحقوا جنة ربهم بالتسلسل،
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
لماذا أنفقوا أموالهم وغيرهم لا ينفق ؟ لأنهم عرفوا ربهم، وفي الأرض آياتٌ للموقنين فكروا في ملكوت السماوات والأرض.
إذا كانت الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وبين الأرض والشمس مائة وستة وخمسين مليون كيلومتر، وفي نجم أحمر يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، فكروا في الكون، فكروا في المجرات، فكروا في الشمس، في القمر، في الليل، في النهار، في خلقهم في هذه العين هذا الأنف، هذه الأذن، هذه الأعضاء، هذا الهيكل العظمي العضلات، القلب، الكبد، البنكرياس.
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
طيب، لماذا شغلوا غيرهم بكسب المال والمزاحمة على الشهوات ؟ وهم انشغلوا بالله، قال: لأنهم اعتقدوا،
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) ﴾
بالتسلسل، اعتقدوا أن الرزق مضمون، فاشغلوا أنفسهم بعض الوقت في رزقهم، بعض الوقت، وبعض الوقت في معرفة ربهم، فلما عرفوا ربهم تقربوا إليه في إنفاق المال، فلما تقربوا إليه في إنفاق المال اتصلوا به فلما اتصلوا به اصطبغت قلوبهم بالكمال، الانعكاس المادي إحسان للخلق، الإحسان سبب الجنة، انصرفوا إلى معرفة الله تقربوا إليه بإنفاق المال، أقبلوا عليه اصطبغت نفوسهم بكمال الله أصبحوا محسنين استحقوا جنة رب العالمين.
هذه الآيات:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)﴾
الطريق مفتوح، أولاً أطلب العلم ولا تجعل كسب المال يأكل كل وقتك، أنت أكبر خاسر، لو كان دخلك باليوم مليون ودخلك الكبير ما سمح لك أن تفعل شيئاً ولا أن تستمع إلى مجلس علم ولا أن تؤدي طاعةً ولا أن تأمر بالمعروف، فأنت خاسر.
إخواننا الكرام: دققوا في هذه الجملة، العمل الذي يأكل كل وقتك خسارةٌ محققةٌ لك.
واحد راح لفرنسا ليدرس، ما معه، قال: بشتغل ساعة هالساعة بتكفي مصروف الشهر كل يوم ساعة، مهيأ يأتي بالدكتورة، موعود بمنصب رفيع ببلده، بأجمل بيت، بأجمل زوجة، بأجمل مكانة، بأجمل دخل، بأجمل مركبة، فلقى في شغلة ساعتين ضاعف مبلغه أحسن، ثلاث ساعات ثلاث أمثال، قام وجد شغلة حارس ليلي أثنى عشر ساعة، ووجد شغلة بالنهار أثنى عشر ساعة، قام غطى وقته كله أصبح دخله كبير كثير بفرنسا، يا ترى هذا الدخل ربح أم خسارة خسارة، ضيع بلده، وضيع مكانته، وضيع المنصب.
فأي عمل يأكل كل وقتك هو أكبر خسارةٍ لك، الإنسان يحيى في وقت فراغه، يلي ما عنده وقت فراغ ماله إنسان، هذا آله، يلي عمله يستغرق كل وقته هذا آلة، لا يفهم شيئاً، يأتي الموت فجأةً، أبداً، ماله مستعد، الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل.
ملخص الدرس:
إذا سمحت لعملك التجاري، أو الصناعي، أو المهني أن يأكل كل وقتك فأنت أكبر خاسر، لابد من أن تقتطع وقتاً لمعرفة الله، ومعرفة منهجه، لابد من أن تقتطع وقتاً لخدمة الخلق، للعمل الصالح، من أجل أن ترقى.
الشيء الثاني هي تسلسل، يعني عرفت الله، تقربت إليه اتصلت به، اصطبغت نفسك بالكمال، كنت محسناً دخلت الجنة.
لذلك الإنسان إذا وصل إلى الجنة حقق الهدف من وجوده، وكل إنسان يصل إلى الجنة فهو العاقل، وما سواه مجنون، عليه الصلاة والسلام رجل مجنون في الطريق، علم أصحابه قال من هذا، هو يعلم من هذا، قال هذا مجنون، قال لا، هذا مبتلى ! المجنون من عصى الله،
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾
( سورة هود: 28 )
المجنون من عصى الله، لأنه في موت، نحن جميعاً بعد مائة عام ما في حدى منا موجود، كلنا تحت الأرض، بس موزعين، شيء بباب صغير وشيء بالجبل، كلنا تحت الأرض، أليس كذلك، قلت مائة عام حتى واحد صغير ما يقول أنا بكير عليَ، مائة عام، الموت مصير كل إنسان، والآخرة هي الأصل، لذلك هنيئاً لمن عمل لآخرته، يقول عليه الصلاة والسلام
(( الكيس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبعى نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..
والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 45، 50].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾:
المتقون: هم الذين فعلوا الطاعات واجتنبوا المعاصي والذنوب.
جنات: أي بساتين جامعة للأشجار، وسمِّيت جنة؛ لأنها تجنّ من فيها: أي تستره لكثرة أشجارها وأغصانها.
العيون: هي الأنهـار الأربعة: ماء، وخمر، ولبن، وعسل، وهذه الأنهـار تجري من تحت القصور والأشجار، قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴾ [محمد: 15].
قوله تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ﴾ أي:
بسلامة من كل داء وآفة. وآمنين: أي من كل خوف وفزع، ولا تخشوا من إخراج، ولا انقطاع شيء من النعيم الذي أنتم فيه أو نقصانه، كالموت، والنوم، والمرض، والحزن، والهم، وسائر المكدرات، كما قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق: 34]، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ينادي منادٍ إن لكم أن تَصِحُّوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43]» [1]، والأمن مطلب لجميع الناس في الدنيا والآخرة، ولذلك قال تعالى عن أهل الجنة (آمنين)، حتى تكتمل السعادة والفرحة.
قال أمية بن الصلت:
وحل المتقون بدار صدق
وعيش ناعم تحت الظلال
لهم ما يشتهون وما تمنوا
من الأفراح فيها والكمال
قوله تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]:
الغلّ: هو الحقد والعداوة، فَبَيَّنَ تعالى في هذه الآية الكريمة أنه نزع ما في صدور أهل الجنة من الغل في حال كونهم إخواناً، وبيَّن هذا المعنى وزاد أنهم تجري من تحتهم الأنهار في نعيم الجنة، وذلك في قوله: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].
قال ابن كثير: وهذا موافق لما في الصحيح من رواية قتادة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فَيُقَصُّ لبعضهم من بعضٍ مظالمَ كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أذن لهم في دخول الجنة»[2].
ولما دخل عمران بن طلحة على علي رضي الله عنه بعدما فرغ من أصحاب الجمل، فرحب به وأدناه وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].
والحكمة في نزع الغلِّ؛ حتى تكتمل السعادة والفرحة، فإن الغلَّ يفسد القلوب ويضيق به الصدر، ولذلك شرح الله صدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأرسل الله له في صغره مَلَكين، ونزعا ما في صدره من الغلِّ والحقد وغسلا قلبه.
قوله: ﴿ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾:
السرر: جمع سرير مثل جديد وجُدد، وقيل: هو من السرور، فكأنه مكان رفيع ممهد للسرور، قال ابن عباس: على سرر مكلّلة بالياقوت والزبرجد والدّر.
السرير ما بين صنعاء إلى الجابية وهي قرية بالشام، وما بين عدن إلى أيلة وهي مدينة على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام، وقد وصف الله هذه السرر بأنها منسوجة بقضبان الذهب وهي (الموضونة)، فقال: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الواقعة: 13، 16].
وقيل: الموضونة المصفوفة، كقوله تعالى: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ [الطور: 20].
وأيضاً هذه السرر مرفوعة، قال تعالى: ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ ﴾ [الغاشية: 13]، وقال تعالى: ﴿ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ [الواقعة: 34]، وقال سبحانه: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ﴾ [الرحمن: 76].
قوله تعالى: ﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾:
أي: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، وذلك دليل على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم، في كون كل منهم مقابلاً للآخر لا مستدبراً له، متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر.
قوله تعالى: ﴿ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ [الحجر: 48]:
بيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء، و﴿ نَصَبٌ ﴾: نكرة في سياق النفي فتعمُّ كل نَصَب، فدلت الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والمشقة، وأكد هذا المعنى سبحانه، فقال تعالى: ﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 35]؛ لأن اللغوب هو التعب والإعياء، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب»[3].
قوله تعالى: ﴿ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾:
بيَّن تعالى أن أهل الجنة لا يخرجون منها، فهم دائمون في نعيمها أبداً بلا انقطاع، وأوضح سبحانه هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ﴾ [الكهف: 107، 108]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ﴾ [ص: 54] إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49-50]:
هذه الآية موازية لقوله صلى الله عليه وسلم، كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد»[4].
فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائماً بين الخوف والرجاء والرغبة والرهبة، ويكون الخوف في الصحة أغلب عليه منه في المرض، فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها، فالقنوط من رحمة الله يأس، والرجاء مع التقصير إهمال، وخير الأمور أوساطها[5].
الآيات الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة وحتى الآية الواحدة والعشرين تبدأ بقوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
هؤلاء الذين اتقوا ربهم في الدنيا، هؤلاء الذين غضوا أبصارهم هؤلاء الذين حفظوا فروجهم، هؤلاء الذين حرروا دخلهم، هؤلاء الذين أنفقوا مالهم فيما شرع الله عز وجل، هؤلاء الذين ربوا أولادهم، هؤلاء الذين حملوا زوجاتهم على طاعة الله، هؤلاء الذين أقاموا الإسلام في بيوتهم، هؤلاء الذين أقاموا الإسلام في عملهم، هؤلاء الذين رجوا رحمة ربهم.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)﴾
هذه الثمرة، وهذه النتيجة،
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾
يعني، أيام إنسان يدع ويكرم، يجلس في أجمل مكان وعلى أفخر أريكة وأمام أجمل مناظر، تقدم له أنواع الشرابات، أنواع المقبلات، يخدم خدمةً رائعة، تقدم له ألوان الأطعمة، ألوان اللحوم، أنواع الفواكه، أنواع الحلويات، الورود، يعطر، يكرم، يشيع إلى الباب.
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾
كانوا في دنيا، كانوا في دار عمل، واليوم دار جزاء، كانوا في دار تكليف، واليوم دار تشريف، كانوا في دار كد والآن دار متعة،
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾
لماذا يعاملون هذه المعاملة ؟ لماذا يكرمون هذا التكريم ؟ لماذا هم في أعلى درجات السعادة ؟ قال:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
هذا الثمن أن تكون محسناً في الدنيا، مطلق، تحسن عملك، تتقن عملك، تضبط لسانك، تربي أولادك، تكتفي بما أحل الله لك، تأخذ ما لك تترك ما ليس لك
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
لك صنعة أتقنها إرحم المسلمين بالأسعار، أتقن الصنعة من أجل أن ترقى،
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
ثمن هذه الجنة، التي لهم فيها ما يشاءون، التي هم يأخذون ما أتاهم ربهم، ثمن هذه الجنة
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
عمله طيب، في إنسان عمله سيئ، جار خبيث، جار شرير، جار عدواني.
أخ كريم يعمل في إكساء البيوت، أحد العمال يحمل أنبوب حديد مس سيارة الضوء الخلفي، أقسم لي بالله وهو صادق الضوء جرح اثنين سانتي، جرح ما انكسر، نزل صاحب المركبة أقام النفير، قال له كل خساره عليك، قال له: أمهلني إلى الغد، في الغد قال له: ثمانية عشر ألف وخمسمائة، قال له الضوء كله ثمنه ثلاثة آلاف، قال له ثمانية عشر ألف وخمسمائة، وإلا بقيم قيامتك، لأنه السيارة خاست قال له ركب ضوء جديد، قال له بفك الضوء وتركيبه السيارة خاست قال لي ثاني يوم آكل ضرب الصندوق واصل للمقعد الخلفي، بكاملها ما عاد طالبني بشي أبداً.
في إنسان عدواني، شرير، ما بريح أحد، واحد عمر غرفة بأرض الديار، بيته أرضي، بدو يزوج ابنه، لا حجب ريح، لا حجب منظر لا حجب شمس ضمن وجيبته الداخلية، خبر هدلوا ياها، عدواني.
هؤلاء
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
في محسن، وفي مسيء، في متواضع، في متكبر، في مفسد، في مصلح ، في مستقيم، في منحرف، في خائن، في مخلص، في معطاء، في أخَاذ، يبني حياته على الأخذ، في إنسان يبني حياته على العطاء.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
هذه الجنة التي ينعمون بها، هذا النعيم المقيم، لهم فيها ما يشاءون،
﴿ آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)﴾
هذا العطاء بسبب ذاك الإحسان.
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
لماذا صار محسناً ؟ من أين جاءه الإحسان ؟ من أين جاءه هذا الفضل ؟ طيب ما هذا التواضع ! ما هذه الرحمة التي في قلبه ؟ ما هذا الإنصاف ؟ ما هذه الواقعية التي يحياها؟ ما هذا القلب الكبير الذي يسع جميع الناس
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) ﴾
قال
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) ﴾
آيات متسلسلة، الجنة بسبب الإحسان، الإحسان بسبب الاتصال بالله، الله عز وجل مصدر كل كمال، فاتصلوا به فأصبحوا محسنين
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)﴾
اتصالهم وتهجدهم وإقبالهم وتذللهم وافتقارهم وصلتهم بالله عز وجل صبغة قلوبهم بالكمال، فأصبحوا محسنين.
يعني الإنسان إذا اتصل بالله، الأثر الواضح أنه محسن، في كل شيء محسن، في بيته في عمله، في صنعته إن كان تاجر صادق، أمين لا يكذب، لا يغش، لا يحتال، لا يحاذي، إذا كان صانع متقن معتدل، في أي شيء
﴿ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) ﴾
طيب، كيف اتصلوا بالله عز وجل ؟ بدنا السبب، قال
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
أنفقوا من أموالهم فاتصلوا بربهم فأحسنوا إلى خلقه فاستحقوا جنة ربهم بالتسلسل،
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
لماذا أنفقوا أموالهم وغيرهم لا ينفق ؟ لأنهم عرفوا ربهم، وفي الأرض آياتٌ للموقنين فكروا في ملكوت السماوات والأرض.
إذا كانت الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وبين الأرض والشمس مائة وستة وخمسين مليون كيلومتر، وفي نجم أحمر يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، فكروا في الكون، فكروا في المجرات، فكروا في الشمس، في القمر، في الليل، في النهار، في خلقهم في هذه العين هذا الأنف، هذه الأذن، هذه الأعضاء، هذا الهيكل العظمي العضلات، القلب، الكبد، البنكرياس.
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾
طيب، لماذا شغلوا غيرهم بكسب المال والمزاحمة على الشهوات ؟ وهم انشغلوا بالله، قال: لأنهم اعتقدوا،
﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) ﴾
بالتسلسل، اعتقدوا أن الرزق مضمون، فاشغلوا أنفسهم بعض الوقت في رزقهم، بعض الوقت، وبعض الوقت في معرفة ربهم، فلما عرفوا ربهم تقربوا إليه في إنفاق المال، فلما تقربوا إليه في إنفاق المال اتصلوا به فلما اتصلوا به اصطبغت قلوبهم بالكمال، الانعكاس المادي إحسان للخلق، الإحسان سبب الجنة، انصرفوا إلى معرفة الله تقربوا إليه بإنفاق المال، أقبلوا عليه اصطبغت نفوسهم بكمال الله أصبحوا محسنين استحقوا جنة رب العالمين.
هذه الآيات:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)﴾
الطريق مفتوح، أولاً أطلب العلم ولا تجعل كسب المال يأكل كل وقتك، أنت أكبر خاسر، لو كان دخلك باليوم مليون ودخلك الكبير ما سمح لك أن تفعل شيئاً ولا أن تستمع إلى مجلس علم ولا أن تؤدي طاعةً ولا أن تأمر بالمعروف، فأنت خاسر.
إخواننا الكرام: دققوا في هذه الجملة، العمل الذي يأكل كل وقتك خسارةٌ محققةٌ لك.
واحد راح لفرنسا ليدرس، ما معه، قال: بشتغل ساعة هالساعة بتكفي مصروف الشهر كل يوم ساعة، مهيأ يأتي بالدكتورة، موعود بمنصب رفيع ببلده، بأجمل بيت، بأجمل زوجة، بأجمل مكانة، بأجمل دخل، بأجمل مركبة، فلقى في شغلة ساعتين ضاعف مبلغه أحسن، ثلاث ساعات ثلاث أمثال، قام وجد شغلة حارس ليلي أثنى عشر ساعة، ووجد شغلة بالنهار أثنى عشر ساعة، قام غطى وقته كله أصبح دخله كبير كثير بفرنسا، يا ترى هذا الدخل ربح أم خسارة خسارة، ضيع بلده، وضيع مكانته، وضيع المنصب.
فأي عمل يأكل كل وقتك هو أكبر خسارةٍ لك، الإنسان يحيى في وقت فراغه، يلي ما عنده وقت فراغ ماله إنسان، هذا آله، يلي عمله يستغرق كل وقته هذا آلة، لا يفهم شيئاً، يأتي الموت فجأةً، أبداً، ماله مستعد، الموت يأتي فجأةً والقبر صندوق العمل.
ملخص الدرس:
إذا سمحت لعملك التجاري، أو الصناعي، أو المهني أن يأكل كل وقتك فأنت أكبر خاسر، لابد من أن تقتطع وقتاً لمعرفة الله، ومعرفة منهجه، لابد من أن تقتطع وقتاً لخدمة الخلق، للعمل الصالح، من أجل أن ترقى.
الشيء الثاني هي تسلسل، يعني عرفت الله، تقربت إليه اتصلت به، اصطبغت نفسك بالكمال، كنت محسناً دخلت الجنة.
لذلك الإنسان إذا وصل إلى الجنة حقق الهدف من وجوده، وكل إنسان يصل إلى الجنة فهو العاقل، وما سواه مجنون، عليه الصلاة والسلام رجل مجنون في الطريق، علم أصحابه قال من هذا، هو يعلم من هذا، قال هذا مجنون، قال لا، هذا مبتلى ! المجنون من عصى الله،
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾
( سورة هود: 28 )
المجنون من عصى الله، لأنه في موت، نحن جميعاً بعد مائة عام ما في حدى منا موجود، كلنا تحت الأرض، بس موزعين، شيء بباب صغير وشيء بالجبل، كلنا تحت الأرض، أليس كذلك، قلت مائة عام حتى واحد صغير ما يقول أنا بكير عليَ، مائة عام، الموت مصير كل إنسان، والآخرة هي الأصل، لذلك هنيئاً لمن عمل لآخرته، يقول عليه الصلاة والسلام
(( الكيس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبعى نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ))
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..
والحمد لله رب العالمين
أين توجد شجرة الزقوم
الجنة والنار
خلق الله عز وجل الإنسان، وهيأ له أسباب العيش كلها، وأرسل له النبيين لهدايته إلى الطراط المستقيم، وأنزل الكتب دليلاً ومنهجاً، فأمره باتباع هداه وعبادته وحده لا يُشرك به شيئاً، ووعده بثوابٍ عظيم، بجنة عرضها السموات والأرض، فيها مالا يخطر في عقل بشر، جزاء طاعته وعبادته، فيسعد في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن قال سمعنا وأطعنا فقد فاز فوزاً عظيماً، ولكن من أبى واستكبر وكفر، فقد خسر خسراناً مبيناً، ويوم القيامة يقول ياليتني أُرد فأعمل صالحاً غير الذي كنت أعمل، ولكن قد فات الأوان، فقد قدم له ربه الوعيد في الحياة الدنيا، تحذيراً له، ولكنه كان أعمى البصيرة، وآثر العصيان، واتباع الشهوات، فحصد نتيجة سوء عمله، فسوف يُعذب عذاباً أليماً، ويصلى سعيراً، وهو في النارفلابد له من مأكل ومشرب، فطعامه وشرابه عذاب، فيشرب من ماء الحميم، ومن عصارة أهل النار، والعياذ بالله تعالى، وأما طعامه فهو ثمار شجرة الزقوم، وسُميت بالزقوم؛ لأنّ أهل النار يتزقمونها، أي يبلعونها بصعوبة لكراهتها ونتنها.
وصف شجرة الزقوم
شجرة الزقوم شجرة خبيثة ملعونة، لها منظر قبيح، ورد ذكرها في القرآن الكريم، كصورة واحدة من صورعذاب يوم القيامة، وبتشبيهٍ مرعب، تخويفاً للإنسان منها، ولكي يجتنبها، ولا تكون مصيره، وذلك في قوله تعالى: ( إن شجرة الزقوم، طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم)، وفي قوله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين)، فهي شجرة تنبت في أصل الجحيم، أي أنّها تنبت في قلب نار جهنم وجذورها في أعماقها، وتتفرّع أغصانها فيها، فعليه يكون غذاؤها من النار، فثمرتها لها طعم مر لا يُحتمل، ورائحتها كريهة نتنة، ولها شكل مخيف مرعب تشبه رؤوس الشياطين، ولكل فرد أن يتخيل شكل الشيطان كما يشاء، وهي طعام خاص لأهل النار، وعلى أهل النار أن يأكلوا منها حتى تمتلئ بطونهم عذاباً لهم، فعندما يشعرون بالجوع، لا يجدون طعاماً أمامهم إلا هي، فيأكلونها فتغلي في بطونهم كالزيت العكر، لشدة حرارتها، فتقطع أحشاء آكلها وتذيبها، فيشعرون بآلامٍ شديدة لا توصف، جزاءً وفاقاً على ما قدموا في حياتهم الدنيا، ويبقى هذا الوصف متواضعاً بسيطاً، ولا يرقى لدرجة وصف شدّة عذابها بشكل صحيح، أعاذنا الله منها ومن النار والعصيان.
ورد ذكرها في السنة المطهرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولو أنّ قطرة من الزقوم قطَرَت لأمَرَّت على أهل الأرض عَيشَهُم، فكيف من ليس لهم طعام إلا الزقوم)، فهذا تحذير واضح منها لألباب العقول، فالعاقل وحده أدرك وفهم، وفرّ منها بطاعته وعمله الصالح، ولكن من عطّل عقله فهي طعامه، ولا مفرّ منها.
ذكرها في القرآن الكريم[عدل]
قال الله تعالى : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [1]
قال الله تعالى : إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [2]
قال الله تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [3]
الشجرة الملعونة[عدل]
قال الله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا [4] ، وذكر ابن عباس أن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، فقال في قولِه تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} . قال : هي رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَها رسولُ اللهِ ليلةَ أُسْرِيَ به إلى بيتِ المَقدِسِ . قال : { وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ } . قال : هي شجرةُ الزَّقُّومِ .[5]
ذكرها في السنة النبوية[عدل]
أنَّ النَّاسَ كانوا يطوفونَ بالبيتِ ، وابنُ عبَّاسٍ ، جالسٌ معَهُ مِحجَنٌ ، فقالَ : قالَ رسولُ اللَّهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ولو أنَّ قَطرةً منَ الزَّقُّومِ قَطرَت ، لأَمَرَّت على أَهْلِ الأرضِ عَيشَهُم ، فَكَيفَ من ليسَ لَهُم طعامٌ إلَّا الزَّقُّومُ [6]
وصفها[عدل]
يؤخذ من الآيات في القرآن الكريم أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك آلاماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم [7]
انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنها لـ«شجرة الزقوم» المذكورة في القرآن الكريم؛ قال تعالى {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات 62:65].
ويرصد «المصري لايت» 10 معلومات عن شجرة الزقوم استنادًا إلى القرآن الكريم وبعض أحاديث الصحابة.
10. «الزقوم»، بحسب كتب التفاسير، شجرة تنبت في قعر جهنم ثمارها كأنها «رؤوس الشياطين»، وتعد طعام لأهل النار، ويقول ابن عباس رضى الله عنهما: «لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت، على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه».
9. قال الله تعالى، في شأن أنها طعام أهل النار: (ِإنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ)
8. سميت الشجرة بـ«الزقوم» لأنه اسم مشتق من كلمة «تزقم الطعام» أي ابتلعه، والابتلاع يفيد الألم والقسر وليس الأكل بما يعطيه من متعة.
7. تحدث «القرطبي»، أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء: «هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر، وما شجرة الزقوم إلا التمر والزبد». ثم أمر أبو جهل جارية وأحضرت تمرا وزبداً، وقال لأصحابه: «تزقموا».
6. عرّفها الله في قرآنه بالشجرة الملعونة، كما جاء في قوله: «وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً».
5. قال جمهور المفسرين هي شجرة الزقوم، المذكورة في آية الدخان في قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:44]، وهو ما يؤكد أن الصور المتداولة ليست للشجرة كما يروج البعض.
4. تكلم المفسرون في أسباب لعنها فقال البيضاوي: «ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا.
3. قال جمهور المفسرين: «وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها لعن آكلها؛ كما قال سبحانه: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ {الدخان: 43-44}»، وقال المفسر الزجاج إن «العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون».
2. قال محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: «وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار، وأصل النار بعيد من رحمة الله، واللعن الإبعاد عن رحمة الله، أو لخبث صفاتها التي وصفت بها في القرآن أو للعن الذين يطعمونها، والعلم عند الله تعالى».
1. قال الطاهر بن عاشور، في تفسيره: «والملعونة أي المذمومة في القرآن في قوله: طَعَامُ الْأَثِيمِ، وقوله: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {الصافات: 65} وقوله: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ {الدخان: 45-46} وقيل معنى الملعونة أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة لأنها مخلوقة في موضع العذاب».
توعّد الله سبحانه و تعالى عباده الضّالين و الكافرين بالعذاب الأليم في الآخرة ، فرحلة الكافر و المشرك في العذاب مستمرةٌ ، تبدأ من لحظة خروج روحه و انتقاله إلى القبر و حياة البرزخ ، بل و إنّ العذاب يبدأ قبل ذلك فقد يصيب الله به المتجبّرين في الدّنيا قبل الآخرة كمن خسف الله بهم الأرض و من عذّبهم بصنوف العذاب المهين من الأقوام السّابقة الذين كفروا برسالات الله ، و أحياناً يصيب من يعصي الله العذاب المؤقّت المحدود لعلّه يرجع عن عمله و عصيانه فيتوب إلى الله و ينيب ، قال تعالى ( و لنذيقنّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ) .
و قد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه تعوّذ من عذاب القبر و أنّ للقبر ضمةٌ و مطارق من حديدٍ لضرب الكافرين الضّالين في قبورهم ، و ما أعدّه الله من العذاب في الآخرة أشدّ و أنكى ، قال تعالى ( و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) ، و كما جعل الله الجنّة درجاتٍ للمؤمنين أعلاها منزلةً الفردوس الأعلى فقد جعل الله عذاب النّار درجاتٍ فأشدّها عذاب فرعون و زمرته و من كان في مثله بالوزر ، و أخفّ أهل النّار عذاباً كما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أبو طالب إذ تنفعه شفاعة النّبيّ له فهو من نصره و آزره حين حاربه قومه و لكنّه رفض الإيمان برسالة التّوحيد فكان عذابه أن ينتعل نعلين يغلي منهما دماغه ، فقد أخرجه النّبي بشفاعته من غمرات النّار إلى ضحضاح من النّار ، و قد ثبت أنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار – و العياذ بالله - .
و شجرة الزّقوم هي شكلٌ من أشكال العذاب الذي أعدّه الله لعباده الكافرين و الضّالين ، فهي شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم ، و قد وصفها سبحانه بأنّ طلعها كرؤوس الشّياطين ، و قد جعلها الله فتنةً للضّالين الذين قالوا بعد سماع حديث القرآن عنها و تساءلوا كيف يكون في النّار شجرةً و النّار تحرق الشّجر، فكان هذا الامر فتنةً لهم و اختبارا ، فالله قادرٌ على كل شيء ، و قد تكون مادّة الشّجرة ممّا لا تعرفه و تدركه عقولنا و لا تشابه شجر الدّنيا ، و وصفت شجرة الزّقوم بأنّها طعام الأثيم كالمهل أي الزّيت شديد السّخونة تغلي منه بطون الكافرين ، أعاذنا الله من النّار و عذابها
جعل الله تعالى الدنيا دار الأعمال الّتي يعمل فيها العبد ما يشاء، ولكن جعل هناك يوماً للحساب على هذه الأعمال، فمن كان صالحاً دخل الجنة وتنعّم بنعيمها، ومن كان فاسداً فإنه يدخل النار ويذوق من عذابها - والعياذ بالله-.
طبيعة البشر بأنهم يؤمنون بما يرونه أمام أعينهم ويتشكّكون بما لم يروه، لذلك ذكر الله عز وجل الكثير من الآيات الّتي تدل على الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة من أجل أن يجتهدوا ولا تفتر همتهم.
يختلف نعيم الجنة عن النعيم في الدنيا، ففي الجنة الخيرات الكثيرة الّتي لا تنقطع، كما أنّ ثياب أهل الجنة وطعامهم وشرابهم مختلف تماماً عن ما هو عليه في الأرض؛ فطعام أهل الأرض - الّذي ينتج عنه الغائط والبول يختلف عن طعام أهل الجنة، ولا توجد بين أهل الجنة الغيرة والبغض والكراهية وغيرها من المشاعر السلبيّة كما هي الحال بين أهل الأرض.
تتعدد صنوف العذاب في جهنم كلٌ حسب عمله، فجهنم طبقات لا يستوي الحساب بين الناس فيها، فمنها البكاء بالدم بدلاً من الدموع وربط الأغلال في أعناقهم، كما أنّ طعامهم من شجرة الزقوم وشرابهم من الحميم وهذا نوعٌ آخر من العذاب.
شجرة الزقوم
هي شجرةٌ تنبت في قعر جهنّم وتمتد أغصانها عبر طبقات جهنّم، أعدّها الله عز وجل للكافرين والفاسدين الذين يدخلون النار ويتعذبون فيها، فهي تعتبر طعامهم، حيث إنّهم يشعرون بالجوع الشديد في جهنم وعندما يتناولون من هذه الشجرة ويشبعون تغلي في بطونهم كغلي الحميم، فيركضون باتجاه الحميم في جهنم حتى يطفئوا نارها فيشربون من هذا الحميم إلى أن تتقطّع أمعاؤهم، قال تعالى : ( إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) الدخان.
الشجر في الدنيا يدل على الخير والعطاء بينما شجرة الزقوم هي رمز للشر والعذاب، كما أنّ الله قال عنها أن طلعها كالشياطين وطعمها مر، ولكن هناك من شكك حول كيفية وجود شجرةٍ تنبت في النار مع أن النار حارقة، فكان هذا ابتلاءً لهم واختباراً على صدقهم لوعد الله عز وجل، فالله تعالى قادرٌ على كل شيء فكما أحيا العظام وهي رميم يوم البعث ألا يستطيع أن يُنبت شجرة في النار!!، ربما تكون هذه الشجرة تختلف عما هي عليه أشجار الأرض في طبيعتها وحاجاتها والله تعالى أعلم، فسبحان الخالق عز وجل والقادر على كل شيء.
قال الواحدي: هو شيء مر, كريه يكره أهل النار على تناوله , فهم يتزقمونه,
أي يبلعونه, بصعوبة لكراهيتها ونتـــــــنها.......
وأختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التى يعرفها العرب أم لا .....على قولين...
أ) أحداهما أنها معروفـــــــة من شجر الدنيا فقال قطرب:
أنها شجرة مرة توجد بتهامة , وهي من أخبث الشجر .
ب) وقال غيره بل هو كل نبات قاتـــــــــــل.........
والقول التاني انها غير معروفة في شجر الدنيا....
قال قتادة : لما ذكر الله هذه الشجرة افتتن بها الظــــــلمة , فقالوا : كيف
تكون في النار شجرة فأنزل الله تعالى :- ( إنا جعلناها فتنه للظالمين..)
وقيل معنى جعلها فتنه لهم : أنها محنة لهم لكونهم يعذبون بها...والمراد
بالظالمين هنا ....الكفار أو أهل المعاصي الموجبـــة للنار.
أوصاف هذه الشجــــــرة رداً على منكريها.........
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) أي في قعرها
قال الحسن أصلها في قعــــــــر الجحيم....وأغصانها ترفع إلى دركاتها..
ثم ( طلعها كأنه رءوس الشياطيـــــــــــن)
أي ثمرها وما تحمله كأنه في تناهي قبحه وشناعته منظره رءوس الشياطين..........
وقيل رءوس الشياطين إسم لنبات قبيح معروف باليمن يقال له الاستن....
وقيل ايضا.... في رءوس الشياطين ...هو شجر خشن منتن , مــــر, منكر الصورة
يسمــــى رؤس الشياطين..........
شجرة الزقوم ورد ذكرها في القرآن الكريم في مواضع متفرقة
وهي شجرة مثمرة ليست كالشجر الذي عرفناه في دنيانا هذه انما هي شجرة نبتت في قرار جهنم
وبسقت فروعها خلال اللهب المشتعل لا تقوى نار جهنم على إحراقها وبدا ثمرها قبيح الشكل
بشع المنظر مخيفاً كأنه رؤوس الشياطين وهذا الثمر هو طعام أهل النار والعياذ بالله
إنه ثمر مر المذاق كريه الرائحة قبيح الشكل يقول الله تعالى :
إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعُها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمآلئون منها البطون [الصافات]
كما يقول عنها في سورة الدخان :-
(( إن شجرة الزقوم . طعام الأثيم ))
والله سبحانه وتعالى جعل هذه الشجرة فتنة وبلاء يعذب بها المشركين في الآخرة يتركون حتى يشتد بهم الجوع
ويكاد يقطع امعاءهم ثم يؤتى بهم إليها فيأكلون منها بشرَهٍ حتى يملؤوا منها بطونهم فيشتد بهم العطش
فيعرضوا على شراب وما هو بشراب ولكنه من أغلظ أنواع العذاب إنه مزيج من صديد وقيح وماء حار
ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم وبعد أن يأكلوا هذا الطعام ويشربوا هذا الشراب يردون إلى
سواء الجحيم وينقلبون إلى عذاب السعير
وفي سورة الواقعة يقول الله تعالى : -
(( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم ))
هذه هي شجرة الزقوم التي وصفها الله في موضع آخر في سورة الإسراء بأنها الشجرة الملعونة في قوله تعالى :- (( والشجرة الملعونة في القرآن ))
ففي سورة الواقعة يتوعد الله عز وجل الكافرين الضالين في الحياة الدنيا بأكلهم من شجر الزقوم يوم الدين،(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) الواقعة،
وفي هذه السورة جاء ذكر شجر الزقوم بالجمع وليس بالإفراد
وفي سورة الصافات بعد الحديث عما آل إليه قرين السوء، المكذب للبعث من عذاب في وسط جهنم، وما آل إليه المصدق بالبعث، ولم يضعف أمام كفر قرينه، ولم يستجب له، فدخل الجنة وتنعم بنعيمها؛ (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) الصافات
ثم يذكر تعالى هذا النعيم خير . ويذكر بأبشع ما يصوره كاره لشيء ويخافه، ليحذر من يخاف الله أن يكون ممن يأكل منها وهو يتلظى في نار جهنم؛ (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) الصافات
وهذه الشجرة لا يعلم قبحها أحد من هؤلاء الضالين في الحياة الدنيا، حتى يدخلوا النار ويأكلوا منها، فيعلمون شر ما توعدهم الله به
وفي حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر فيه أنه لو نزلت قطرة من الزقوم لأفسد ماء الأرض، فاتقوا الله فكيف بمن يكون الزقوم طعامه، لذلك كتب تاؤها مقبوضة لجهل الجميع بمدى مرارة وقبح هذه الشجرة
أما الحديث عنها في سورة الدخان فهو الحديث عن شجرة قد عرفت للآثمين:- (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)، ثم يقال بعد أكلهم منها: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50) الدخان
وهذه الشجرة من شجر النار في الآخرة، والمخاطبين عنها في الآيات هم من أهل الحياة الدنيا، كانت الشجرة مجهولة لديهم، فكتبت التاء مقبوضة، وقد غر أبي جهل اسم الزقوم، وظن أنه هو التمر الذي يغمس في الزبد قبل تزقمه، وهو من طعام أهل اليمن، فقال ساخرًا: هذا الذي يتوعدنا به محمد؟! يا غلام !! ائتنا بتمر وزبد نتزقمه، فأنزل الله تعالى مبينًا صفتها، فقال:- (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات،
ولما تحدث تعالى ما يحدث لأهل النار في سورة الدخان وقد أكلوا من هذه الشجرة الملعونة، ثم أُخذ الآكل منها، فعُتِل، فألقي في وسط الجحيم، أصبحت الشجرة معروفة لديهم غير مجهولة فبسطت تاؤها في الرسم لاختلاف حالها في الآخرة عن حالها في الدنيا عند هؤلاء
هذا سر من أسرار الرسم العثماني الذي لم ينل حظًا من البحث عند علماء الأمة.. والله تعالى أعلم.
لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
( الصافات )
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
( الدخان )
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
( الواقعة )
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
( الاسراء )
حفظنا الله و إياكم من عذاب جهنم و الأكل من شجرتها الملعونة والعياذ بالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نداء إلى اخواننا العرب والمسلمين احذر من هذا شجرة الزقوم
أخي المسلم عزيز القارئ / الزقوم شجرة / والقات وكل الولع المخدرة شجر وأسمها العام شجرة الزقوم، وفروعها أغصانها زقوم القات زقوم الدخان زقوم الحشيش زقوم الافيون/ وقد أجمعوا الراسخون في العلم كلهم على هذه المواصفات ووصفوا الزقوم بهذه الأوصاف، والحقيقة هي أنه هلذه المواصفات كلها تدل وتشير إلى القات وجميع الولع المخدرة بأنه هي شجرة الزقوم وإليكم تطابق المواصفات من 1 إلى البند 16 في القات والدخان وجميع الولع:
مواصفات الزقوم مواصفات القات
1- أن الزقوم شجرة 1- القات شجرة
2- تكون في اليمن بتهامه 2- القات في اليمن بتهامه و أساس التهمه.
3- أنه نبت قبيح ومعروفه في اليمن 3- القات مقبح ومحبوب ومعروف في اليمن.
4- وليست معروفة عند العرب 4- القات ليست معروفة عند العرب، كان نصيبهم الولع الأخرى من الزقوم
5- أن الزقوم من أخبث الشجر 5- القات من أخبث الشجر، قلعت كل الشجر وجنة البن والعنب وحلت مكانها
6- أنها نبت ( قاتل) 6- القات نبات قاتل، قتلة حارسها وسارقها حرب من مغرب إلى الصباح
7- أن الزقوم لها رأوس 7- القات لها رأوس، مثل لسان الحنش المذهل الشيطاني الباهوت.
8- يسمى ثمارها رأوس الشياطين 8- القات يسمى ثمارها رأوس الشياطين علاقية روس مذهلة كأنها رأوس الشياطين
9- أن الأكل من الشجرة نفسها ومن طلعها 9- القات الأكل من الشجرة نفسها ومن طلعها الروس القفال الرطبة.
10- أن المأكول من رأس الزقوم (أسمه مأنث) 10- القات المأكول من رأسها أسمه مئنث ، ورقة قفله بزغة.
11- أن الزقوم مرة المذاق 11- القات مرة المذاق، تحلى بسكر ومشروبات و نعناع
12- أن الزقوم خشنة. 12- القات خشنة المس والتعامل ومثيرة النجاسة وسيلان المني والبول.
13- أن الزقوم نتنة الريحة 13- القات والدخان عفنة الريحة بايته ومشموسه وشم التبغ
14- أن الزقوم منكرة الصورة 14- القات منكر الصورة معفر بسم والتراب + جذابه ناكرة ومنكرة.
15- أن الزقوم مكبدة البلع 15- القات مكبدة البلع، تنزل بالماء من الحلق أو شرغ ومات وقات أحمر مكبد
16-الزقوم فتنة للظالمين 16- القات فتنة للظالمين، أقل فتنة وظلم الشخص لنفسه بأكلها ولن يعدل المخزن.
17- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الفتنة نائمة لعنت الله على من أيقضها/ فكيف بمن زرع الفتنة وحرسها وسقاها وسوقها وعمل لها وبها وصنعها وجعل الناس يصلون وهم نجسين عفنين من التوالع فلا يقبل الله صلاتهم) أنزلت أدم من الجنة ونحنون نزلاً إلى الجحيم.
18- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ما خدر وأسكر قليله فهو حرام مثل كثيره / وقد أوعد الله عباده بالخمر فلجنة وحرم الشجرة في الداريين الدنيا والآخرة).
إلى من يُلبي نداء دينيهِ و وطنه، إلى أنصار الله في أرضه، إلى من يقول ربي الله وأنا عبده ؟
أوجهُ هذا النداء إلى جميع أنحاء المسلمين بأن يعلنوا التوبة مثل أبونا ( آدم ) عليه السلام،
و نرجع إلى الله ونترك شجرة ( الزقوم – القات ) وجميع الوِّلعْ المخدرة تنفيذ لأمر الله ( لا تقربا هذهِ الشجرة ) حيث وقد ألهمني الله بتفسير آيات الزقوم وجعلني فيكم من المنذرين لمحاربتها فوق كل أرض وتحت كل سماء
-وقال تعالى: ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) ينتقدنا الله في جميع أعمال المعاصي ومنها للزقوم عمل وزرع واكل.
( أذلكَ خيرٌ نُزلاً أم شجرة الزقوم ) س / نزول الدرجات خير أو الخير في شجرة زقوم المخدرات القات
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) هي شجرة وتظهر في أصل فصلها الحار المفصول من النار لم يقول الله في الجحيم .
( ضلعها كأنهُ رؤوس الشياطين ) مذهلة موسوسة مخدرة مخربة مفقرة مستعمرة مجننه شكلها رؤوس كأنها رؤوس الشياطين .
( فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ) فإننا لآكلون منها الورق فمالئون من ماء الورق البطون المخدر للتخدير .
( ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ) ثم إن لنا عليها لخليطاً من الماء لحرارتها ولحبها وللإدمان عليها ، الحميم على الولع شفط ونفخ نار الدخان
اللهم فشهد أنني من المنذرين المبلغين أنذارك والحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على محمد وأهله أجمعين والتباعين إلى يوم الدين وأنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين وسلام
وشكرااااا على مروركم وبارك الله فيكم
خلق الله عز وجل الإنسان، وهيأ له أسباب العيش كلها، وأرسل له النبيين لهدايته إلى الطراط المستقيم، وأنزل الكتب دليلاً ومنهجاً، فأمره باتباع هداه وعبادته وحده لا يُشرك به شيئاً، ووعده بثوابٍ عظيم، بجنة عرضها السموات والأرض، فيها مالا يخطر في عقل بشر، جزاء طاعته وعبادته، فيسعد في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فمن قال سمعنا وأطعنا فقد فاز فوزاً عظيماً، ولكن من أبى واستكبر وكفر، فقد خسر خسراناً مبيناً، ويوم القيامة يقول ياليتني أُرد فأعمل صالحاً غير الذي كنت أعمل، ولكن قد فات الأوان، فقد قدم له ربه الوعيد في الحياة الدنيا، تحذيراً له، ولكنه كان أعمى البصيرة، وآثر العصيان، واتباع الشهوات، فحصد نتيجة سوء عمله، فسوف يُعذب عذاباً أليماً، ويصلى سعيراً، وهو في النارفلابد له من مأكل ومشرب، فطعامه وشرابه عذاب، فيشرب من ماء الحميم، ومن عصارة أهل النار، والعياذ بالله تعالى، وأما طعامه فهو ثمار شجرة الزقوم، وسُميت بالزقوم؛ لأنّ أهل النار يتزقمونها، أي يبلعونها بصعوبة لكراهتها ونتنها.
وصف شجرة الزقوم
شجرة الزقوم شجرة خبيثة ملعونة، لها منظر قبيح، ورد ذكرها في القرآن الكريم، كصورة واحدة من صورعذاب يوم القيامة، وبتشبيهٍ مرعب، تخويفاً للإنسان منها، ولكي يجتنبها، ولا تكون مصيره، وذلك في قوله تعالى: ( إن شجرة الزقوم، طعام الأثيم، كالمهل يغلي في البطون، كغلي الحميم)، وفي قوله تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين)، فهي شجرة تنبت في أصل الجحيم، أي أنّها تنبت في قلب نار جهنم وجذورها في أعماقها، وتتفرّع أغصانها فيها، فعليه يكون غذاؤها من النار، فثمرتها لها طعم مر لا يُحتمل، ورائحتها كريهة نتنة، ولها شكل مخيف مرعب تشبه رؤوس الشياطين، ولكل فرد أن يتخيل شكل الشيطان كما يشاء، وهي طعام خاص لأهل النار، وعلى أهل النار أن يأكلوا منها حتى تمتلئ بطونهم عذاباً لهم، فعندما يشعرون بالجوع، لا يجدون طعاماً أمامهم إلا هي، فيأكلونها فتغلي في بطونهم كالزيت العكر، لشدة حرارتها، فتقطع أحشاء آكلها وتذيبها، فيشعرون بآلامٍ شديدة لا توصف، جزاءً وفاقاً على ما قدموا في حياتهم الدنيا، ويبقى هذا الوصف متواضعاً بسيطاً، ولا يرقى لدرجة وصف شدّة عذابها بشكل صحيح، أعاذنا الله منها ومن النار والعصيان.
ورد ذكرها في السنة المطهرة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولو أنّ قطرة من الزقوم قطَرَت لأمَرَّت على أهل الأرض عَيشَهُم، فكيف من ليس لهم طعام إلا الزقوم)، فهذا تحذير واضح منها لألباب العقول، فالعاقل وحده أدرك وفهم، وفرّ منها بطاعته وعمله الصالح، ولكن من عطّل عقله فهي طعامه، ولا مفرّ منها.
ذكرها في القرآن الكريم[عدل]
قال الله تعالى : أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ [1]
قال الله تعالى : إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [2]
قال الله تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [3]
الشجرة الملعونة[عدل]
قال الله تعالى : وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآَنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا [4] ، وذكر ابن عباس أن الشجرة الملعونة هي شجرة الزقوم ، فقال في قولِه تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} . قال : هي رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَها رسولُ اللهِ ليلةَ أُسْرِيَ به إلى بيتِ المَقدِسِ . قال : { وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ } . قال : هي شجرةُ الزَّقُّومِ .[5]
ذكرها في السنة النبوية[عدل]
أنَّ النَّاسَ كانوا يطوفونَ بالبيتِ ، وابنُ عبَّاسٍ ، جالسٌ معَهُ مِحجَنٌ ، فقالَ : قالَ رسولُ اللَّهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ولو أنَّ قَطرةً منَ الزَّقُّومِ قَطرَت ، لأَمَرَّت على أَهْلِ الأرضِ عَيشَهُم ، فَكَيفَ من ليسَ لَهُم طعامٌ إلَّا الزَّقُّومُ [6]
وصفها[عدل]
يؤخذ من الآيات في القرآن الكريم أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك آلاماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم [7]
انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي قيل إنها لـ«شجرة الزقوم» المذكورة في القرآن الكريم؛ قال تعالى {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ، إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات 62:65].
ويرصد «المصري لايت» 10 معلومات عن شجرة الزقوم استنادًا إلى القرآن الكريم وبعض أحاديث الصحابة.
10. «الزقوم»، بحسب كتب التفاسير، شجرة تنبت في قعر جهنم ثمارها كأنها «رؤوس الشياطين»، وتعد طعام لأهل النار، ويقول ابن عباس رضى الله عنهما: «لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت، على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه».
9. قال الله تعالى، في شأن أنها طعام أهل النار: (ِإنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ)
8. سميت الشجرة بـ«الزقوم» لأنه اسم مشتق من كلمة «تزقم الطعام» أي ابتلعه، والابتلاع يفيد الألم والقسر وليس الأكل بما يعطيه من متعة.
7. تحدث «القرطبي»، أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء: «هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر، وما شجرة الزقوم إلا التمر والزبد». ثم أمر أبو جهل جارية وأحضرت تمرا وزبداً، وقال لأصحابه: «تزقموا».
6. عرّفها الله في قرآنه بالشجرة الملعونة، كما جاء في قوله: «وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً».
5. قال جمهور المفسرين هي شجرة الزقوم، المذكورة في آية الدخان في قوله تعالى: إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ*طَعَامُ الْأَثِيمِ [الدخان:44]، وهو ما يؤكد أن الصور المتداولة ليست للشجرة كما يروج البعض.
4. تكلم المفسرون في أسباب لعنها فقال البيضاوي: «ولعنها في القرآن لعن طاعميها وصفت به على المجاز للمبالغة، أو وصفها بأنها في أصل الجحيم فإنه أبعد مكان من الرحمة أو بأنها مكروهة مؤذية من قولهم طعام ملعون لما كان ضارا.
3. قال جمهور المفسرين: «وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها لعن آكلها؛ كما قال سبحانه: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ {الدخان: 43-44}»، وقال المفسر الزجاج إن «العرب تقول لكل طعام مكروه ملعون».
2. قال محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: «وإنما وصف الشجرة باللعن لأنها في أصل النار، وأصل النار بعيد من رحمة الله، واللعن الإبعاد عن رحمة الله، أو لخبث صفاتها التي وصفت بها في القرآن أو للعن الذين يطعمونها، والعلم عند الله تعالى».
1. قال الطاهر بن عاشور، في تفسيره: «والملعونة أي المذمومة في القرآن في قوله: طَعَامُ الْأَثِيمِ، وقوله: طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {الصافات: 65} وقوله: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ {الدخان: 45-46} وقيل معنى الملعونة أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة لأنها مخلوقة في موضع العذاب».
توعّد الله سبحانه و تعالى عباده الضّالين و الكافرين بالعذاب الأليم في الآخرة ، فرحلة الكافر و المشرك في العذاب مستمرةٌ ، تبدأ من لحظة خروج روحه و انتقاله إلى القبر و حياة البرزخ ، بل و إنّ العذاب يبدأ قبل ذلك فقد يصيب الله به المتجبّرين في الدّنيا قبل الآخرة كمن خسف الله بهم الأرض و من عذّبهم بصنوف العذاب المهين من الأقوام السّابقة الذين كفروا برسالات الله ، و أحياناً يصيب من يعصي الله العذاب المؤقّت المحدود لعلّه يرجع عن عمله و عصيانه فيتوب إلى الله و ينيب ، قال تعالى ( و لنذيقنّهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلّهم يرجعون ) .
و قد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه تعوّذ من عذاب القبر و أنّ للقبر ضمةٌ و مطارق من حديدٍ لضرب الكافرين الضّالين في قبورهم ، و ما أعدّه الله من العذاب في الآخرة أشدّ و أنكى ، قال تعالى ( و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ) ، و كما جعل الله الجنّة درجاتٍ للمؤمنين أعلاها منزلةً الفردوس الأعلى فقد جعل الله عذاب النّار درجاتٍ فأشدّها عذاب فرعون و زمرته و من كان في مثله بالوزر ، و أخفّ أهل النّار عذاباً كما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أبو طالب إذ تنفعه شفاعة النّبيّ له فهو من نصره و آزره حين حاربه قومه و لكنّه رفض الإيمان برسالة التّوحيد فكان عذابه أن ينتعل نعلين يغلي منهما دماغه ، فقد أخرجه النّبي بشفاعته من غمرات النّار إلى ضحضاح من النّار ، و قد ثبت أنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار – و العياذ بالله - .
و شجرة الزّقوم هي شكلٌ من أشكال العذاب الذي أعدّه الله لعباده الكافرين و الضّالين ، فهي شجرةٌ تخرج في أصل الجحيم ، و قد وصفها سبحانه بأنّ طلعها كرؤوس الشّياطين ، و قد جعلها الله فتنةً للضّالين الذين قالوا بعد سماع حديث القرآن عنها و تساءلوا كيف يكون في النّار شجرةً و النّار تحرق الشّجر، فكان هذا الامر فتنةً لهم و اختبارا ، فالله قادرٌ على كل شيء ، و قد تكون مادّة الشّجرة ممّا لا تعرفه و تدركه عقولنا و لا تشابه شجر الدّنيا ، و وصفت شجرة الزّقوم بأنّها طعام الأثيم كالمهل أي الزّيت شديد السّخونة تغلي منه بطون الكافرين ، أعاذنا الله من النّار و عذابها
جعل الله تعالى الدنيا دار الأعمال الّتي يعمل فيها العبد ما يشاء، ولكن جعل هناك يوماً للحساب على هذه الأعمال، فمن كان صالحاً دخل الجنة وتنعّم بنعيمها، ومن كان فاسداً فإنه يدخل النار ويذوق من عذابها - والعياذ بالله-.
طبيعة البشر بأنهم يؤمنون بما يرونه أمام أعينهم ويتشكّكون بما لم يروه، لذلك ذكر الله عز وجل الكثير من الآيات الّتي تدل على الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة من أجل أن يجتهدوا ولا تفتر همتهم.
يختلف نعيم الجنة عن النعيم في الدنيا، ففي الجنة الخيرات الكثيرة الّتي لا تنقطع، كما أنّ ثياب أهل الجنة وطعامهم وشرابهم مختلف تماماً عن ما هو عليه في الأرض؛ فطعام أهل الأرض - الّذي ينتج عنه الغائط والبول يختلف عن طعام أهل الجنة، ولا توجد بين أهل الجنة الغيرة والبغض والكراهية وغيرها من المشاعر السلبيّة كما هي الحال بين أهل الأرض.
تتعدد صنوف العذاب في جهنم كلٌ حسب عمله، فجهنم طبقات لا يستوي الحساب بين الناس فيها، فمنها البكاء بالدم بدلاً من الدموع وربط الأغلال في أعناقهم، كما أنّ طعامهم من شجرة الزقوم وشرابهم من الحميم وهذا نوعٌ آخر من العذاب.
شجرة الزقوم
هي شجرةٌ تنبت في قعر جهنّم وتمتد أغصانها عبر طبقات جهنّم، أعدّها الله عز وجل للكافرين والفاسدين الذين يدخلون النار ويتعذبون فيها، فهي تعتبر طعامهم، حيث إنّهم يشعرون بالجوع الشديد في جهنم وعندما يتناولون من هذه الشجرة ويشبعون تغلي في بطونهم كغلي الحميم، فيركضون باتجاه الحميم في جهنم حتى يطفئوا نارها فيشربون من هذا الحميم إلى أن تتقطّع أمعاؤهم، قال تعالى : ( إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ) الدخان.
الشجر في الدنيا يدل على الخير والعطاء بينما شجرة الزقوم هي رمز للشر والعذاب، كما أنّ الله قال عنها أن طلعها كالشياطين وطعمها مر، ولكن هناك من شكك حول كيفية وجود شجرةٍ تنبت في النار مع أن النار حارقة، فكان هذا ابتلاءً لهم واختباراً على صدقهم لوعد الله عز وجل، فالله تعالى قادرٌ على كل شيء فكما أحيا العظام وهي رميم يوم البعث ألا يستطيع أن يُنبت شجرة في النار!!، ربما تكون هذه الشجرة تختلف عما هي عليه أشجار الأرض في طبيعتها وحاجاتها والله تعالى أعلم، فسبحان الخالق عز وجل والقادر على كل شيء.
قال الواحدي: هو شيء مر, كريه يكره أهل النار على تناوله , فهم يتزقمونه,
أي يبلعونه, بصعوبة لكراهيتها ونتـــــــنها.......
وأختلف فيها هل هي من شجر الدنيا التى يعرفها العرب أم لا .....على قولين...
أ) أحداهما أنها معروفـــــــة من شجر الدنيا فقال قطرب:
أنها شجرة مرة توجد بتهامة , وهي من أخبث الشجر .
ب) وقال غيره بل هو كل نبات قاتـــــــــــل.........
والقول التاني انها غير معروفة في شجر الدنيا....
قال قتادة : لما ذكر الله هذه الشجرة افتتن بها الظــــــلمة , فقالوا : كيف
تكون في النار شجرة فأنزل الله تعالى :- ( إنا جعلناها فتنه للظالمين..)
وقيل معنى جعلها فتنه لهم : أنها محنة لهم لكونهم يعذبون بها...والمراد
بالظالمين هنا ....الكفار أو أهل المعاصي الموجبـــة للنار.
أوصاف هذه الشجــــــرة رداً على منكريها.........
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) أي في قعرها
قال الحسن أصلها في قعــــــــر الجحيم....وأغصانها ترفع إلى دركاتها..
ثم ( طلعها كأنه رءوس الشياطيـــــــــــن)
أي ثمرها وما تحمله كأنه في تناهي قبحه وشناعته منظره رءوس الشياطين..........
وقيل رءوس الشياطين إسم لنبات قبيح معروف باليمن يقال له الاستن....
وقيل ايضا.... في رءوس الشياطين ...هو شجر خشن منتن , مــــر, منكر الصورة
يسمــــى رؤس الشياطين..........
شجرة الزقوم ورد ذكرها في القرآن الكريم في مواضع متفرقة
وهي شجرة مثمرة ليست كالشجر الذي عرفناه في دنيانا هذه انما هي شجرة نبتت في قرار جهنم
وبسقت فروعها خلال اللهب المشتعل لا تقوى نار جهنم على إحراقها وبدا ثمرها قبيح الشكل
بشع المنظر مخيفاً كأنه رؤوس الشياطين وهذا الثمر هو طعام أهل النار والعياذ بالله
إنه ثمر مر المذاق كريه الرائحة قبيح الشكل يقول الله تعالى :
إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعُها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمآلئون منها البطون [الصافات]
كما يقول عنها في سورة الدخان :-
(( إن شجرة الزقوم . طعام الأثيم ))
والله سبحانه وتعالى جعل هذه الشجرة فتنة وبلاء يعذب بها المشركين في الآخرة يتركون حتى يشتد بهم الجوع
ويكاد يقطع امعاءهم ثم يؤتى بهم إليها فيأكلون منها بشرَهٍ حتى يملؤوا منها بطونهم فيشتد بهم العطش
فيعرضوا على شراب وما هو بشراب ولكنه من أغلظ أنواع العذاب إنه مزيج من صديد وقيح وماء حار
ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم وبعد أن يأكلوا هذا الطعام ويشربوا هذا الشراب يردون إلى
سواء الجحيم وينقلبون إلى عذاب السعير
وفي سورة الواقعة يقول الله تعالى : -
(( ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم ))
هذه هي شجرة الزقوم التي وصفها الله في موضع آخر في سورة الإسراء بأنها الشجرة الملعونة في قوله تعالى :- (( والشجرة الملعونة في القرآن ))
ففي سورة الواقعة يتوعد الله عز وجل الكافرين الضالين في الحياة الدنيا بأكلهم من شجر الزقوم يوم الدين،(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ (52) فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) الواقعة،
وفي هذه السورة جاء ذكر شجر الزقوم بالجمع وليس بالإفراد
وفي سورة الصافات بعد الحديث عما آل إليه قرين السوء، المكذب للبعث من عذاب في وسط جهنم، وما آل إليه المصدق بالبعث، ولم يضعف أمام كفر قرينه، ولم يستجب له، فدخل الجنة وتنعم بنعيمها؛ (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) الصافات
ثم يذكر تعالى هذا النعيم خير . ويذكر بأبشع ما يصوره كاره لشيء ويخافه، ليحذر من يخاف الله أن يكون ممن يأكل منها وهو يتلظى في نار جهنم؛ (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) الصافات
وهذه الشجرة لا يعلم قبحها أحد من هؤلاء الضالين في الحياة الدنيا، حتى يدخلوا النار ويأكلوا منها، فيعلمون شر ما توعدهم الله به
وفي حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر فيه أنه لو نزلت قطرة من الزقوم لأفسد ماء الأرض، فاتقوا الله فكيف بمن يكون الزقوم طعامه، لذلك كتب تاؤها مقبوضة لجهل الجميع بمدى مرارة وقبح هذه الشجرة
أما الحديث عنها في سورة الدخان فهو الحديث عن شجرة قد عرفت للآثمين:- (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)، ثم يقال بعد أكلهم منها: (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50) الدخان
وهذه الشجرة من شجر النار في الآخرة، والمخاطبين عنها في الآيات هم من أهل الحياة الدنيا، كانت الشجرة مجهولة لديهم، فكتبت التاء مقبوضة، وقد غر أبي جهل اسم الزقوم، وظن أنه هو التمر الذي يغمس في الزبد قبل تزقمه، وهو من طعام أهل اليمن، فقال ساخرًا: هذا الذي يتوعدنا به محمد؟! يا غلام !! ائتنا بتمر وزبد نتزقمه، فأنزل الله تعالى مبينًا صفتها، فقال:- (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات،
ولما تحدث تعالى ما يحدث لأهل النار في سورة الدخان وقد أكلوا من هذه الشجرة الملعونة، ثم أُخذ الآكل منها، فعُتِل، فألقي في وسط الجحيم، أصبحت الشجرة معروفة لديهم غير مجهولة فبسطت تاؤها في الرسم لاختلاف حالها في الآخرة عن حالها في الدنيا عند هؤلاء
هذا سر من أسرار الرسم العثماني الذي لم ينل حظًا من البحث عند علماء الأمة.. والله تعالى أعلم.
لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
( الصافات )
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43)
طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
( الدخان )
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
هَٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
( الواقعة )
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ۚ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ۚ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
( الاسراء )
حفظنا الله و إياكم من عذاب جهنم و الأكل من شجرتها الملعونة والعياذ بالله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
نداء إلى اخواننا العرب والمسلمين احذر من هذا شجرة الزقوم
أخي المسلم عزيز القارئ / الزقوم شجرة / والقات وكل الولع المخدرة شجر وأسمها العام شجرة الزقوم، وفروعها أغصانها زقوم القات زقوم الدخان زقوم الحشيش زقوم الافيون/ وقد أجمعوا الراسخون في العلم كلهم على هذه المواصفات ووصفوا الزقوم بهذه الأوصاف، والحقيقة هي أنه هلذه المواصفات كلها تدل وتشير إلى القات وجميع الولع المخدرة بأنه هي شجرة الزقوم وإليكم تطابق المواصفات من 1 إلى البند 16 في القات والدخان وجميع الولع:
مواصفات الزقوم مواصفات القات
1- أن الزقوم شجرة 1- القات شجرة
2- تكون في اليمن بتهامه 2- القات في اليمن بتهامه و أساس التهمه.
3- أنه نبت قبيح ومعروفه في اليمن 3- القات مقبح ومحبوب ومعروف في اليمن.
4- وليست معروفة عند العرب 4- القات ليست معروفة عند العرب، كان نصيبهم الولع الأخرى من الزقوم
5- أن الزقوم من أخبث الشجر 5- القات من أخبث الشجر، قلعت كل الشجر وجنة البن والعنب وحلت مكانها
6- أنها نبت ( قاتل) 6- القات نبات قاتل، قتلة حارسها وسارقها حرب من مغرب إلى الصباح
7- أن الزقوم لها رأوس 7- القات لها رأوس، مثل لسان الحنش المذهل الشيطاني الباهوت.
8- يسمى ثمارها رأوس الشياطين 8- القات يسمى ثمارها رأوس الشياطين علاقية روس مذهلة كأنها رأوس الشياطين
9- أن الأكل من الشجرة نفسها ومن طلعها 9- القات الأكل من الشجرة نفسها ومن طلعها الروس القفال الرطبة.
10- أن المأكول من رأس الزقوم (أسمه مأنث) 10- القات المأكول من رأسها أسمه مئنث ، ورقة قفله بزغة.
11- أن الزقوم مرة المذاق 11- القات مرة المذاق، تحلى بسكر ومشروبات و نعناع
12- أن الزقوم خشنة. 12- القات خشنة المس والتعامل ومثيرة النجاسة وسيلان المني والبول.
13- أن الزقوم نتنة الريحة 13- القات والدخان عفنة الريحة بايته ومشموسه وشم التبغ
14- أن الزقوم منكرة الصورة 14- القات منكر الصورة معفر بسم والتراب + جذابه ناكرة ومنكرة.
15- أن الزقوم مكبدة البلع 15- القات مكبدة البلع، تنزل بالماء من الحلق أو شرغ ومات وقات أحمر مكبد
16-الزقوم فتنة للظالمين 16- القات فتنة للظالمين، أقل فتنة وظلم الشخص لنفسه بأكلها ولن يعدل المخزن.
17- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الفتنة نائمة لعنت الله على من أيقضها/ فكيف بمن زرع الفتنة وحرسها وسقاها وسوقها وعمل لها وبها وصنعها وجعل الناس يصلون وهم نجسين عفنين من التوالع فلا يقبل الله صلاتهم) أنزلت أدم من الجنة ونحنون نزلاً إلى الجحيم.
18- عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ما خدر وأسكر قليله فهو حرام مثل كثيره / وقد أوعد الله عباده بالخمر فلجنة وحرم الشجرة في الداريين الدنيا والآخرة).
إلى من يُلبي نداء دينيهِ و وطنه، إلى أنصار الله في أرضه، إلى من يقول ربي الله وأنا عبده ؟
أوجهُ هذا النداء إلى جميع أنحاء المسلمين بأن يعلنوا التوبة مثل أبونا ( آدم ) عليه السلام،
و نرجع إلى الله ونترك شجرة ( الزقوم – القات ) وجميع الوِّلعْ المخدرة تنفيذ لأمر الله ( لا تقربا هذهِ الشجرة ) حيث وقد ألهمني الله بتفسير آيات الزقوم وجعلني فيكم من المنذرين لمحاربتها فوق كل أرض وتحت كل سماء
-وقال تعالى: ( لمثل هذا فليعمل العاملون ) ينتقدنا الله في جميع أعمال المعاصي ومنها للزقوم عمل وزرع واكل.
( أذلكَ خيرٌ نُزلاً أم شجرة الزقوم ) س / نزول الدرجات خير أو الخير في شجرة زقوم المخدرات القات
( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ) هي شجرة وتظهر في أصل فصلها الحار المفصول من النار لم يقول الله في الجحيم .
( ضلعها كأنهُ رؤوس الشياطين ) مذهلة موسوسة مخدرة مخربة مفقرة مستعمرة مجننه شكلها رؤوس كأنها رؤوس الشياطين .
( فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون ) فإننا لآكلون منها الورق فمالئون من ماء الورق البطون المخدر للتخدير .
( ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم ) ثم إن لنا عليها لخليطاً من الماء لحرارتها ولحبها وللإدمان عليها ، الحميم على الولع شفط ونفخ نار الدخان
اللهم فشهد أنني من المنذرين المبلغين أنذارك والحمد لله رب العالمين وصلاة وسلام على محمد وأهله أجمعين والتباعين إلى يوم الدين وأنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين وسلام
وشكرااااا على مروركم وبارك الله فيكم
خلق الانسان ضعيفا
ما أضعف الإنسان، وما أعجز الإنسان أمام كون فسيح، ما أصغره أمام خلق الله إنّه لا يساوي قيد أنملة على هذا الكون، من فضاء وأرض وأجرام وكائنات أُخر، وقد ذكر الله بكتابه العزيز الإنسان بضعفه وأوجزه في ثلاثة كلمات حين قال: "وخلق الإنسان ضعيفًا" فأبان جوهره وعكفت الدراسات العلمية منذ قرون على اكتشاف هذا الضعف وتبينه كل يوم باكتشاف جديد ليثبت أنّ كلام الله معجزة.
فالإنسان ظاهره بساطة ووضوح يراها غيره وجوهره تعقيد وغموض، فلا زال العلم قاصرًا وعاجزًا عن رصد الجانب الشعوري والعاطفي والروحي وربطه مع وظائف الأعضاء ودراسة دماغ الانسان وتشريحه بعيدًا عن علم الاصابات والأمراض، فلا عالم أتى بمكونات الدماغ وتفاعلاتها مع بعضها البعض أو معرفة السوائل التي تسير بجسم الأنسان، أو التفكر والتدبر في أعضاء الإنسان الداخلية وكوامنها، فكثير من أمراض السرطان لا زالت مجهولة السبب ولا أحد يعلم حتّى اليوم ما هو سبب الإصابة بأمراض السرطان على اختلاف تسمياتها، أو أشكالها، أو أنواعها، أو أعراضها.
وإنّ أضعف ما يجده الإنسان في نفسه هو عجزه عن توقيف تفكيره ومشاعره من أن تسيطر عليه، فلا يتغلب على مخاوفه وقلقه والضغوط التي تطرأ عليه إلّا بعد فترة زمنية طويلة، وهذا عكس ما يريده من سيطرة على الأرض وتملك فكيف به يسيطر على شيء ما مادي وهو ليس بوسعه أن يسيطر على مشاعره وعقله وتفكيره ..
ومن مظاهر عجز الإنسان عدم تمكنّه من التنبؤ أو الرسم المستقبلي لما سيحدث، فيشعر بأنّه قاصر وعاجز وهو أيضًا لا يستطيع أن يتبصّر الأمور على حقيقتها، فيرى المشاكل والحوادث من زاوية معينة وهو ذا رأي معين وقلّما يتفق برأيه من آخرين؛ ممّا يشكل رؤية غير موحدة لدى أطياف الناس؛ لأنّ الإنسان نفسه ليس قادر على الرؤية الواحدة.
والإنسان على قدر ما يملك من إمكانات وقدرات تمكنه من مواصلة حياته اليومية، لكنّه عاجز عن دفع الضرر عن نفسه، فعلى سبيل المثال، من هو القادر على أن يمنع فيروس الانفلونزا من إصابته، بالرغم من أنّ هذا المرض البسيط الذي ترافقه حمى تصيب الإنسان لأيامًا معدودة، تشعره كأنّه سيموت على الحال، ويرى ضعفه الكامل ونقصه وعجزه في أيّام معدودة من مرض ما.
وهو أيضًا لا يستطيع تقييم الواقع والأحداث الجارية إلّا بعد مرورها، لأنّ عقله لا يستطيع استيعاب ما يجري إلّا وفق ما اختزن في مخزونه المعرفي من رؤى ومبادئ وقيم تسيره وتتحكم فيه، وهو كذلك محكوم لا حاكم وعاجز وناقص وضعيف، وفي ذلك حكمة للإنسان الّا يتجبر على الأرض، وأنّ الله قد استخلفه فيها لإعمارها وإحسانها، وعليه ألّا يتعالى، ويتكبر، ويتجبر، ويظلم، ويفسد في الأرض؛ لأنّه ضعيف بأمر الله وإن استقوى على خلق الله فالله قادر وهو ضعيف ليس بقادر.
قوله : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) تذييل وتوجيه للتخفيف ، وإظهار لمزية هذا الدين ، وأنه أليق الأديان بالناس في كل زمان ومكان ، ولذلك فما مضى من الأديان كان مراعى فيه حال دون حال ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الآية في سورة الأنفال/66، وقد فسر بعضهم الضعف هنا بأنه الضعف من جهة النساء ، قال طاووس ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء ، وليس مراده حصر معنى الآية فيه ، ولكنه مما روعي في الآية لا محالة ؛ لأن من الأحكام المتقدمة ما هو ترخيص في النكاح " انتهى من " التحرير والتنوير " (5/22)
وهذا الذي اختاره العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله من حمل " الضعف " في الآية على جميع أنواع الضعف البشري هو الأقوى والأنسب في التفسير ، وإلا فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله ثلاثة أقوال في الآية فقال :
" في المراد بـ ( ضعْف الإنسان ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الضعف في أصل الخلقة ، قال الحسن : هو أنه خُلق من ماءٍ مهين .
والثاني : أنه قلة الصبر عن النساء ، قاله طاوس ، ومقاتل .
والثالث : أنه ضعف العزم عن قهر الهوى ، وهذا قول الزجّاج ، وابن كيسان " انتهى من " زاد المسير " (1/395)
ولكن القاعدة المهمة في تفسير القرآن الكريم أنه كلما كان من الممكن حمل معاني القرآن على العموم والشمول كان أقرب إلى الصواب ؛ وأن الأقوال إذا لم تكن متناقضة ، وأمكن حمل الآية عليها جميعها كان أوفق في التفسير . يمكن مراجعة ذلك في كتاب " قواعد الترجيح عند المفسرين " (ص/41-44).
يقول ابن عطية الأندلسي رحمه الله :
" المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي : لمَّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد طاوس .
ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ؛ لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسرا ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب " انتهى من " المحرر الوجيز " (2/40-41) .
ويقول ابن جزي الغرناطي رحمه الله :
" ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) قيل : معناه : لا يصبر على النساء ، وذلك مقتضى سياق الكلام ، واللفظ أعم من ذلك " انتهى من " التسهيل " (1/188) .
ويقول ابن القيم رحمه الله – بعد أن ذكر بعض أقوال السلف في تفسير الآية - :
" والصواب أَن ضعفه يعم هذا كله ، وضعفه أَعظم من هذا وأَكثر : فَإنه ضعيف البنية ، ضعيف القوة ، ضعيف الإرادة ، ضعيف العلم ، ضعيف الصبر ، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور " انتهى من " طريق الهجرتين " (1/228) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ) وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل ، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه ، ضعف البنية ، وضعف الإرادة ، وضعف العزيمة ، وضعف الإيمان ، وضعف الصبر ، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/175) .
ولذلك فالأنسب في تفسير أوجُه " الضعف البشري " في الآية الكريمة حملها على إطلاقها ، لتشمل جميع جوانب الضعف : النفسية ، والبدنية ، والعقلية ، والعاطفية ، والتركيبية ، فالإنسان ضعيف النفس بسبب نوازع الخير والشر المخلوقة فيه ، إلى جانب الوساوس والأهواء التي تعرض له أيضا ، وهو ضعيف البدن أيضا بسبب ما يعرض له من الآفات والأسقام ، وبالمقارنة مع كثير من المخلوقات عظيمة الخلق ، وهو ضعيف العقل بسبب قدراته المحدودة التي تخوله من النجاح والإبداع ولكن في حدود المنظور في هذا الكون وما يمكن القياس عليه ، كما أنه ضعيف في الجوانب العاطفية والشعورية ، فيتأثر أسرع تأثير بما يبكيه أو يفرحه أو يُجبِنُه أو يُبخِله أو يشجعه أو يخوفه .
وللتوسع في شرح أنواع الضعف البشري يمكن مراجعة مقال رائع لفضيلة الدكتور عبد الكريم بكار على الرابط الآتي : http://www.saaid.net/Doat/bakkar/017.htm
فلكل هذه الأوجه من الضعف والفقر شرع الله عز وجل لنا ما يناسبنا ، وخفف عنا فلم يكلفنا فوق طاقتنا ، فكانت شريعتنا شريعة التخفيف والتيسير ، كما قال سبحانه وتعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الأنفال/66.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
" ثَمَانِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ ، أَوَّلُهُنَّ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/26 ثَلَاثًا مُتَتَابِعَاتٍ ، وَالرَّابِعَةُ : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء/31، وَالْخَامِسَةُ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) النساء/40، الْآيَةَ ، وَالسَّادِسَةُ : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/110، وَالسَّابِعَةُ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) النساء/48 الْآيَةَ ، وَالثَّامِنَةُ : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) النساء/152 " الْآيَةَ " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (9/346) .
هذا الضعف يشمل الضعف النفسي، والضعف البدني ... والمصدق لقول خالقه والعالم به إذا نظر متفكرا في نفسه والناس من حوله لتأكد من حقيقة مكنون شعور الضعف بنفس الإنسان... فالإنسان على يقين بينه وبين نفسه من حقيقة قلة " ... بل ربما انعدام "... حوله وقوته أمام وفي مواجهة ما يحيط به من آيات وجنود الله كالسماء والأرض والجبال ... وكالزلازل والبراكين ... وكالرعد والبرق والريح ... وكالأعاصير والصواعق وفيض الماء... بل أمام وفي مواجهة ما يبدو أصغر مثل العقر واللدغ والافتراس ... الخ.
قال تعال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}... (النساء: 28).
هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفاً....
خلق ضعيفا في نشأته قال تعال: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}... (عبس 18-19) نطفة صبابة من الماء المهين.
وخلق ضعيفاً في علمه: قال تعال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}... (الإسراء : 85).
فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة:
قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}... (لقمان : 34 ).
وخلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه فقد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته. (الشيخ محمد بن صالح العثيمين)
إن الضعف الإنساني سمة تلازم الإنسان من لحظة البداية في خلقه… هل تَذكَّر الإنسان ذلك؟ هل فكر الإنسان في أصل تكوينه؟ إنه تراب الأرض! هل أدرك الإنسان أنه خُلق من عدم ولم يكن شيئاً؟ هل فكر الإنسان بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب؟ هذا هو الأصل الإنساني الضعيف! هل فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه؟
الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان الذي يبدو للوهلة الأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة.
وقد لخّصت لنا هذه الكلمات القرآنية الثلاث جوهر الإنسان، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا.
ومن مظاهر ضعفنا:
- أن التقدم المعرفي الكبير مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من لا يزال في الدماغ مناطق مجهولة لحد الآن لا يعرف ما هي وظائفها أن يكون علم وظائف وتشريح، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح.
- إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما تقدموا نحو الأمام، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة. وتقدّس الله تعالى إذ يقول: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}... (الإسراء : 85).
ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلى السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه إن فاعلية كل رأي ودقته ينبعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب .
- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان.
إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعفه المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة.
الإنسان جسد ضعيف محدود القدرات والإمكانيات، حواسه مقيدة محدودة، فهو ذو بصر محدود، إذ لا يمكنه الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء لا يمكن للعين الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء الأبيض.
الأبيض وهي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي، وما ينتج عن اختلاطها ببعضها من ألوان متعددة، أما ما تعدى حدود ذلك من موجات ضوئية فلا يستطيع الإنسان أن يميزها، فالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية ( أشعة إكس ) وأشعة جاما وغيرها لا تدركها العين البشرية، بينما تستطيع بعض الطيور والحيوانات أن ترى الأشياء عن طريق الأشعة تحت الحمراء مثلاً، مما يمنحها القدرة على الرؤية في الظلام الدامس.
له عينان فقط وبالمقارنة بالحيوانات والحشرات والطيور فإن المعروف أن عدد عيون الحيوانات تتراوح بين عينين إلى عدة آلاف، فالعنكبوت مثلاً له ثمانية عيون، ومع ذلك فبصره ضعيف جداً بالنسبة لغيره.
وأما بالنسبة للسمع فإن الأذن البشرية ذات إمكانيات محدودة، حيث لا تستطيع الأذن البشرية تمييز الأصوات ذات التردد أو الذبذبات التي تقل عن حوالي عشرين ذبذبة في الثانية، أو التي تزيد عن حوالي عشرين ألف ذبذبة في الثانية، كما أن قوة الصوت أو شدته تؤثر تأثيراً ضاراً على أذن الإنسان إذا تعدت حدوداً معينة.
وتستطيع معظم الحيوانات أن تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج المدى المسموع بواسطة الأذن البشرية، فالكلب مثلاً يستطيع أن يسمع الأصوات ذات التردد المنخفض بواسطة أجزاء حساسة عند الخطوط الجانبية من جسمه، وتستطيع الأسماك في الأحواض الزجاجية أن تسمع صدى حركتها منعكساً على زجاج الحوض فلا ترتطم به.
للخفاش قدرة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية
كما تتميز الطيور عموماً بسمع حاد قوي، أما الخفاش فلديه قدرة خاصة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية (ultrasounds) بواسطة أذنيه الكبيرتين، واللتين تتحركان في مختلف الاتجاهات بصورة مستمرة كأنها جهاز رادار يبحث عن تلك الموجات الصوتية.
إن الإنسان هو أضعف المخلوقات من حيث القوة العقلية والجسمانية، يحس بهذه الحقيقة في قرارة نفسه وحين يستعرض مشوار حياته منذ خلقه من الماء المهين مروراً بالحمل والمخاض وخروجه طفلاً ضعيفاً يستمد العون والمساعدة من غيره..
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}... (الروم : 54).
في الآية الكريمة يشير الحق سبحانه وتعالى إلى صفة الضعف تلك الصفة التي تلازم الإنسان طوال حياته وهى السمة المميزة للإنسان في مقتبل العمر وفى خريف حياته.
وسبحان الخالق العظيم جعل مشوار حياة الإنسان يبدأ بالضعف وينتهي به حتى وإن كان في ريعان شبابه وقمة عنفوانه فهو ضعيف.
إنه صريع أمام دوافع النوم (الموتة الصغرى) لا غلبة له عليه يطرحه أرضاً حتى وإن كانت قوة تصارع وتقهر العتاة.
أليس الإنسان ضعيفاً حتى في أوج قوته، وها هو المرض في أوهن أشكاله ومسبباته يقهر الإنسان ويوهن صحته ويحد من نشاطه وقد ينال من جسده ويضعف من قوته فيصبح عاجزاً لا يقوى على رعاية نفسه ؟ أليس المسلم ضعيفاً أخي المسلم حتى في لحظات ومراحل القوة والغطرسة التي قد تخدع أكثر الناس وتحيد به عن سواء السبيل ؟.
ونحن نتأمل صفة الضعف التي تلازم الإنسان فإننا لا نرى سوى سبيل واحد فريد هو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة. وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان. إنه الإيمان بالله.. فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية ومادون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة.
تأمل أخي المسلم مرحلة الطفولة لحظة خروج الإنسان للحياة ثم طفلاً رضيعاً يستمد الغذاء والعون من أمه.
إنها لحظات الضعف والوهن الغامر الذي مر به كل مخلوق وأولهم الإنسان.
تذكر أخي الشاب المسلم هذه اللحظات وأرجع شريط مسيرة حياتك وتخيل كيف كنت لا تقوى على الحركة والجلوس والمشي ولا تقدر على التعبير والنطق ولا تدرك أسباب الحياة وحركتها...
تفكيرك محدود وقوتك ضعيفة وعزمك واهن وإرادتك تابعة وتطلب العون والمساعدة ثم تدرجت في قدراتك وتطور نموك وارتقت مفاهيمك واتسع إدراكك واشتد عودك وانتصب قوامك والتفت عضلاتك وتكونت شخصيتك وأصبحت رجلاً يتمتع بالقوة وتحتل مكانة وتتبوأ مركزاً مرموقاً أو تتحمل أعباء وتدير حركة الحياة وتعمر الأرض.
هل فكرت أخي المسلم كيف كنت؟ وإلى أين أصبحت؟ وهل استحضرت حقيقة كيف كنت؟ وأين أصبحت؟
أخي المسلم عليك أن تستلهم من مسيرة حياتك وتأخذ العبرة من لحظات الضعف التي كنت بها قبل أن تصبح رجلاً قوياً. فتكرس قوتك وتسخرها لعبادة الله وطاعته وتنتهز لحظات القوة لكي تؤدى واجب الطاعة والعبادة للخالق الذي أمدك بالقوة ووهبك العقل والفكر والبصيرة.
فلا تضيع قوتك التي سوف تزول لا محالة في هوى النفس وشهواتها ولا تفنى هذه القوة في معصية الله وفى غير ما أُهلت له.
تذكر أخي المسلم أن لحظات حياتك عجلة دائرة فأنت بين ضعف وقوة وعجز وقدرة.
خلق الله تعالى آدم من تراب من عناصر الأرض... من الحديد والكالسيوم والماغنسيوم والكربون وغيرها. واختار له الصورة التي أراده عليها وبث فيه الحياة وزوده بمواهب وطاقات تساعده على إعمار الأرض واستخراج مكنوناتها. وزوده بالعقل والسمع والبصر وشرع له المنهج الذي تستقيم به حياته وأمره بالسير في هذا الطريق وتجنب إغراءات الشيطان ونزعات النفس حتى لا يضل.
ولنرجع إلى جسم الإنسان لنرى ما قالت وما أثبتت المعامل:
إن جسم الإنسان العادي يحتوى على مائة وأربعين رطلا من الماء ومن الدهون ما يكفي لصنع سبع قطع من الصابون ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفين ومائتي عود ثقاب ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة من الأملاح الملينة. ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.
هذا هو الإنسان. خلق من تراب فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلل جسمه إلى هذه العناصر ودخل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية.
وهكذا يُولد الإنسان متجها إلى نهايته. فكل دقيقة تمر تدنيه من أجله لا ينحرف عن هذه الغاية أبداً ولا يتخلف عن موعدها. أنفاسُ معدودة وخطواتُ محدودة
أ.د. عبدالكريم بكار
الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان الذي يبدو للوهلةالأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد ، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة !
إن هذه الكلمات القرآنية الثلاث قد لخّصت لنا جوهر الإنسان ، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته ، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا .
ويمكن أن نسلط الضوء على بعض ما أدركناه من ضعفنا وبعض ما يجب علينا تجاه ذلك في الكلمات التالية :
1- تَبَصّر بني الإنسان عل الرغم من التقدم المعرفي الكبير بأجسامهم مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا ، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة ، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من أن يكون علم وظائف وتشريح ، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً ، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية ، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق .
فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب ، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي ، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح .
إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما تقدموا نحو الأمام ، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة . وتقدّس الله تعالى إذ يقول : ] ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ [الإسراء : 85]
ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان ، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلي السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه !
إن فاعلية كل رأي ودقته نابعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب .
2- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يبصر الأمر إلا ضمن شروط ومعطيات زمانية ومكانية وثقافية خاصة ومحدودة ، فهو لا يستطيع أن يتخلص من محدودية الرؤية وضرورة النظر من زاوية معينة ، وهذا هو السرّ الأكبر في أننا لا نملك أن نتفق حول كثير من ا لمسائل والقضايا المطروحة . إن خصوصية تكويننا وظروفنا ومشاعرنا تدفع مواقفنا وآراءنا إلى التفرد ، ومن ثم فإننا نعجز عن توحيد الرؤية وبسط الرأي الواحد في أكثر شؤوننا .
3- نحن عاجزون عن إدراك الأشكال النهائية لأكثر حقائق هذا الكون دفعة واحدة ، فالحقائق لا تسفر لنا عن كل أبعادها وأطوارها إلا على سبيل التدرج ، ومن ثَمّ فإن الإنسان الضعيف يظل يكتشف عجزه باستمرار ، وكأن ما يحرزه من التقدم اليوم ليس إلا عنواناً على ما كان يجهله بالأمس ، وما سيصل إليه غداً ليس إلا رمزاً على ما يجهله اليوم ، ومن ثم فإن التغيير والتطوير يظلان ملازمين لكل إنتاجاتنا وإبداعاتنا علي مقدار ما نحرزه من تقدم في العلم والفهم ، والمقولة التي لا يفتأ هذا المخلوق الضعيف يرددها : » لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كذا، ولقلت كذا .. ، وانطلاقاً من هذا فإن من سمات النظريات العلمية الناجحة أن تكون منفتحة وذات قابلية جيدة للإضافات التي تأتي بها حركة كشف الحقائق وإدراك المجهولات .
4- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل ، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة ، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان ، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان وفضيلة الدمج بين الحياة الدنيا والآخرة ، والمتأمل في كثير من الأقوال والتصريحات والدراسات يجد أن خبراء الاستراتيجية هم أكثر الناس مجازفة ولا سيما عندما يشرعون في سرد التفاصيل للأحداث المتوقعة ، حيث تقصر طاقات البشر وإمكاناتهم عن التنبؤ بها [2] .
5- أكثر ما يظن فيه عجز الإنسان وضعفه هو الإمكانات التي يمتلكها لفهم الواقع المعاش بكلياته وجزئياته ومشكلاته وخباياه ، وقد كثرت في أيامنا هذه الدعوة إلى فهم الواقع وفقهه ، وهي دعوة مهمة ، لكنها تخفي في طريقة طرحها نوعاً من التبسيط للمسألة ، حيث إن فهم الواقع أو مقاربته مسألة من أعقد ما يواجهه العقل البشري ، فالقيم التي نؤمن بها تتحكم إلى حد كبير في رؤيتنا لذلك الواقع ، وكثيراً ما تشكل حائلاً بيننا وبين رؤية حقيقة ما يجري فيه . والعقل الإنساني حتى يلامس الواقع فإنه يفترض ثباته وجموده ، على حين أن الواقع يظل محطّة لتدفق التحولات المشعثة الكثيرة والحادة أحياناً مما يجعل إدراكنا قاصراً عن ملاحقته ، وبالتالي فإن أحكامنا تصدر على أشياء فائتة ومنتهية ومن هنا فإنه لابد من بناء (إشكالية) ، يتم من خلالها تقسيم الواقع إلى قضايا يمكن تحديدها وتقديم إجابات وحلول لها ، والنمط الذي سنصور الواقع من خلاله هو عبارة عن صورة عقلية مركبة تدخل فيها رؤانا العقدية إلى جانب العناصر المعرفية والقيم الاجتماعية التي ترشد حركة المجتمع ، ومادام كل ذلك متفاوتاً عند الناس فإن عجزنا عن لمّ الخلاف سوف يظهر أكثر وأكثر عندما نحاول تقويم الواقع وإصدار الأحكام عليه .
وهذا ما سيؤدي بالتالي إلى اختلافات كثيرة في مناهج الإصلاح ومشروعات النهوض الحضاري ، وهنا يظهر مرة أخرى مأزق وهن الإنسان حيث إن التقدم العلمي لا يتحقق دون الإغراق في التخصص ، والتقدم يستمد مشروعيته وأهميته من كونه يقدم الأدوات التي تساعد على إصلاح شأن الإنسان وترشيد قراراته ، لكن الإغراق في التخصص يحول دون فهم الواقع ودون فهم حاجات الإنسان المختلفة من منظور شامل ، إذ إن مجال التخصصات هو الجزئيات ، وفهم الواقع الإنساني يحتاج إلى رؤى ونظريات كلية لا تتوفر عادة عند الاختصاصيين .. ومن هنا ندرك لماذا نرى تقدم المعرفة وتأخر الإنسان وانحداره شيئاً فشيئاً نحو البربرية ! إننا عاجزون عن رعاية شؤوننا إذ اما ابتعدنا عن الانتفاع بالهداية الربانية .
الموقف الموضوعي مما سبق :
إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يطامن من نفسه ، ويخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعته المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة .
وعلى الإنسان مع ذلك أن يحترم عقله وقدراته فلا يزجّ به في مجاهيل وغيوب لا يملك أدنى مقدمات للبحث فيها ، حتى لا يتناقض واقعه مع ذاته ومن المنهجية القويمة أن نعلّم أنفسنا الصبر على الاستقراء والتأمل وعدم المسارعة إلي إطلاق الأحكام الكبيرة قبل التأكد من سلامة المقدمات التي تستند إليها ، وحين نصل إلي حكم ظني فإنه علينا أن نصوغة بطريقة تُشعر المطلع عليه بذلك ، فلا نسوق القطعيات مساق الظنيات ، ولا الظنيات مساق القطعيات . ويروون عن الإمام مالك رحمه الله أنه كان كثيراً ما يردد قوله تعالى ] إن نظنُّ إلا ظنَّاً وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية : 32] وذلك عندما يُستفتى فيفتي ، وقد عتب الإمام الجويني على الماوردي أنه كان في كتابه » الأحكام السلطانية « يسوق المظنونات والمعلومات على منهاج واحد « [3] . مع أن النصوص في مجالات » السياسة الشرعية « قليلة ، وأكثر المسائل فيها مبنية على الاجتهاد .
إن الوضعية التي وضع الله تعالى فيها الإنسان تحتم أن نظل في حالة من الاستعداد الدائم لقبول الحق أياً كان مصدره والتراجع عن الخطأ وتعديل الرأي وامتلاك فضيلة المرونة الذهنية ، وعلى الله قصد السبيل .
________________________
(1) النساء : 28 .
(2) اقرأ إن شئت ما كتبه (نيكسون) في كتابه (نصر بلا حرب) عن المستقبل الذي يتوقعه لروسيا ثم ما آلت إليه الأمور ! .
(3) انظر الغياثي : 142 تحقيق د عبد العظيم الديب
فالإنسان ظاهره بساطة ووضوح يراها غيره وجوهره تعقيد وغموض، فلا زال العلم قاصرًا وعاجزًا عن رصد الجانب الشعوري والعاطفي والروحي وربطه مع وظائف الأعضاء ودراسة دماغ الانسان وتشريحه بعيدًا عن علم الاصابات والأمراض، فلا عالم أتى بمكونات الدماغ وتفاعلاتها مع بعضها البعض أو معرفة السوائل التي تسير بجسم الأنسان، أو التفكر والتدبر في أعضاء الإنسان الداخلية وكوامنها، فكثير من أمراض السرطان لا زالت مجهولة السبب ولا أحد يعلم حتّى اليوم ما هو سبب الإصابة بأمراض السرطان على اختلاف تسمياتها، أو أشكالها، أو أنواعها، أو أعراضها.
وإنّ أضعف ما يجده الإنسان في نفسه هو عجزه عن توقيف تفكيره ومشاعره من أن تسيطر عليه، فلا يتغلب على مخاوفه وقلقه والضغوط التي تطرأ عليه إلّا بعد فترة زمنية طويلة، وهذا عكس ما يريده من سيطرة على الأرض وتملك فكيف به يسيطر على شيء ما مادي وهو ليس بوسعه أن يسيطر على مشاعره وعقله وتفكيره ..
ومن مظاهر عجز الإنسان عدم تمكنّه من التنبؤ أو الرسم المستقبلي لما سيحدث، فيشعر بأنّه قاصر وعاجز وهو أيضًا لا يستطيع أن يتبصّر الأمور على حقيقتها، فيرى المشاكل والحوادث من زاوية معينة وهو ذا رأي معين وقلّما يتفق برأيه من آخرين؛ ممّا يشكل رؤية غير موحدة لدى أطياف الناس؛ لأنّ الإنسان نفسه ليس قادر على الرؤية الواحدة.
والإنسان على قدر ما يملك من إمكانات وقدرات تمكنه من مواصلة حياته اليومية، لكنّه عاجز عن دفع الضرر عن نفسه، فعلى سبيل المثال، من هو القادر على أن يمنع فيروس الانفلونزا من إصابته، بالرغم من أنّ هذا المرض البسيط الذي ترافقه حمى تصيب الإنسان لأيامًا معدودة، تشعره كأنّه سيموت على الحال، ويرى ضعفه الكامل ونقصه وعجزه في أيّام معدودة من مرض ما.
وهو أيضًا لا يستطيع تقييم الواقع والأحداث الجارية إلّا بعد مرورها، لأنّ عقله لا يستطيع استيعاب ما يجري إلّا وفق ما اختزن في مخزونه المعرفي من رؤى ومبادئ وقيم تسيره وتتحكم فيه، وهو كذلك محكوم لا حاكم وعاجز وناقص وضعيف، وفي ذلك حكمة للإنسان الّا يتجبر على الأرض، وأنّ الله قد استخلفه فيها لإعمارها وإحسانها، وعليه ألّا يتعالى، ويتكبر، ويتجبر، ويظلم، ويفسد في الأرض؛ لأنّه ضعيف بأمر الله وإن استقوى على خلق الله فالله قادر وهو ضعيف ليس بقادر.
قوله : ( وخلق الإنسان ضعيفا ) تذييل وتوجيه للتخفيف ، وإظهار لمزية هذا الدين ، وأنه أليق الأديان بالناس في كل زمان ومكان ، ولذلك فما مضى من الأديان كان مراعى فيه حال دون حال ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الآية في سورة الأنفال/66، وقد فسر بعضهم الضعف هنا بأنه الضعف من جهة النساء ، قال طاووس ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء ، وليس مراده حصر معنى الآية فيه ، ولكنه مما روعي في الآية لا محالة ؛ لأن من الأحكام المتقدمة ما هو ترخيص في النكاح " انتهى من " التحرير والتنوير " (5/22)
وهذا الذي اختاره العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله من حمل " الضعف " في الآية على جميع أنواع الضعف البشري هو الأقوى والأنسب في التفسير ، وإلا فقد ذكر ابن الجوزي رحمه الله ثلاثة أقوال في الآية فقال :
" في المراد بـ ( ضعْف الإنسان ) ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه الضعف في أصل الخلقة ، قال الحسن : هو أنه خُلق من ماءٍ مهين .
والثاني : أنه قلة الصبر عن النساء ، قاله طاوس ، ومقاتل .
والثالث : أنه ضعف العزم عن قهر الهوى ، وهذا قول الزجّاج ، وابن كيسان " انتهى من " زاد المسير " (1/395)
ولكن القاعدة المهمة في تفسير القرآن الكريم أنه كلما كان من الممكن حمل معاني القرآن على العموم والشمول كان أقرب إلى الصواب ؛ وأن الأقوال إذا لم تكن متناقضة ، وأمكن حمل الآية عليها جميعها كان أوفق في التفسير . يمكن مراجعة ذلك في كتاب " قواعد الترجيح عند المفسرين " (ص/41-44).
يقول ابن عطية الأندلسي رحمه الله :
" المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ، أي : لمَّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد طاوس .
ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ؛ لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسرا ، ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب " انتهى من " المحرر الوجيز " (2/40-41) .
ويقول ابن جزي الغرناطي رحمه الله :
" ( وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) قيل : معناه : لا يصبر على النساء ، وذلك مقتضى سياق الكلام ، واللفظ أعم من ذلك " انتهى من " التسهيل " (1/188) .
ويقول ابن القيم رحمه الله – بعد أن ذكر بعض أقوال السلف في تفسير الآية - :
" والصواب أَن ضعفه يعم هذا كله ، وضعفه أَعظم من هذا وأَكثر : فَإنه ضعيف البنية ، ضعيف القوة ، ضعيف الإرادة ، ضعيف العلم ، ضعيف الصبر ، والآفات إليه مع هذا الضعف أَسرع من السيل في الحدور " انتهى من " طريق الهجرتين " (1/228) .
ويقول العلامة السعدي رحمه الله :
" ( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ) وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل ، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه ، ضعف البنية ، وضعف الإرادة ، وضعف العزيمة ، وضعف الإيمان ، وضعف الصبر ، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته " انتهى من " تيسير الكريم الرحمن " (ص/175) .
ولذلك فالأنسب في تفسير أوجُه " الضعف البشري " في الآية الكريمة حملها على إطلاقها ، لتشمل جميع جوانب الضعف : النفسية ، والبدنية ، والعقلية ، والعاطفية ، والتركيبية ، فالإنسان ضعيف النفس بسبب نوازع الخير والشر المخلوقة فيه ، إلى جانب الوساوس والأهواء التي تعرض له أيضا ، وهو ضعيف البدن أيضا بسبب ما يعرض له من الآفات والأسقام ، وبالمقارنة مع كثير من المخلوقات عظيمة الخلق ، وهو ضعيف العقل بسبب قدراته المحدودة التي تخوله من النجاح والإبداع ولكن في حدود المنظور في هذا الكون وما يمكن القياس عليه ، كما أنه ضعيف في الجوانب العاطفية والشعورية ، فيتأثر أسرع تأثير بما يبكيه أو يفرحه أو يُجبِنُه أو يُبخِله أو يشجعه أو يخوفه .
وللتوسع في شرح أنواع الضعف البشري يمكن مراجعة مقال رائع لفضيلة الدكتور عبد الكريم بكار على الرابط الآتي : http://www.saaid.net/Doat/bakkar/017.htm
فلكل هذه الأوجه من الضعف والفقر شرع الله عز وجل لنا ما يناسبنا ، وخفف عنا فلم يكلفنا فوق طاقتنا ، فكانت شريعتنا شريعة التخفيف والتيسير ، كما قال سبحانه وتعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ) الأنفال/66.
يقول ابن عباس رضي الله عنهما :
" ثَمَانِ آيَاتٍ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ هِيَ خَيْرٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ ، أَوَّلُهُنَّ : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ) النساء/26 ثَلَاثًا مُتَتَابِعَاتٍ ، وَالرَّابِعَةُ : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ) النساء/31، وَالْخَامِسَةُ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا ) النساء/40، الْآيَةَ ، وَالسَّادِسَةُ : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا ) النساء/110، وَالسَّابِعَةُ : ( إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ) النساء/48 الْآيَةَ ، وَالثَّامِنَةُ : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ ) النساء/152 " الْآيَةَ " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (9/346) .
هذا الضعف يشمل الضعف النفسي، والضعف البدني ... والمصدق لقول خالقه والعالم به إذا نظر متفكرا في نفسه والناس من حوله لتأكد من حقيقة مكنون شعور الضعف بنفس الإنسان... فالإنسان على يقين بينه وبين نفسه من حقيقة قلة " ... بل ربما انعدام "... حوله وقوته أمام وفي مواجهة ما يحيط به من آيات وجنود الله كالسماء والأرض والجبال ... وكالزلازل والبراكين ... وكالرعد والبرق والريح ... وكالأعاصير والصواعق وفيض الماء... بل أمام وفي مواجهة ما يبدو أصغر مثل العقر واللدغ والافتراس ... الخ.
قال تعال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}... (النساء: 28).
هكذا يقرر الله تعالى هذه الكلية العاملة الشاملة لكل إنسان، إن كل إنسان خلق ضعيفاً....
خلق ضعيفا في نشأته قال تعال: {مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ}... (عبس 18-19) نطفة صبابة من الماء المهين.
وخلق ضعيفاً في علمه: قال تعال: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}... (الإسراء : 85).
فعلمه قليل ومحفوف بآفتين جهل قبل العلم ونسيان بعده فهو لا يعلم المستقبل حتى في تصرفات الخاصة:
قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا}... (لقمان : 34 ).
وخلق ضعيفا في تصرفه وإدراكه فقد يتصور البعيد قريبا والقريب بعيدا والنافع ضارا والضار نافعا ولا يدرك النتائج التي تتمخض عن تصرفاته. (الشيخ محمد بن صالح العثيمين)
إن الضعف الإنساني سمة تلازم الإنسان من لحظة البداية في خلقه… هل تَذكَّر الإنسان ذلك؟ هل فكر الإنسان في أصل تكوينه؟ إنه تراب الأرض! هل أدرك الإنسان أنه خُلق من عدم ولم يكن شيئاً؟ هل فكر الإنسان بالقدرة التي أوجدته من العدم وكَّونته من التراب؟ هذا هو الأصل الإنساني الضعيف! هل فكر الإنسان لحظة واستشعر مراحل ضعفه ووهنه؟
الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان الذي يبدو للوهلة الأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة.
وقد لخّصت لنا هذه الكلمات القرآنية الثلاث جوهر الإنسان، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا.
ومن مظاهر ضعفنا:
- أن التقدم المعرفي الكبير مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من لا يزال في الدماغ مناطق مجهولة لحد الآن لا يعرف ما هي وظائفها أن يكون علم وظائف وتشريح، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح.
- إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما تقدموا نحو الأمام، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة. وتقدّس الله تعالى إذ يقول: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}... (الإسراء : 85).
ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلى السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه إن فاعلية كل رأي ودقته ينبعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب .
- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان.
إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعفه المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة.
الإنسان جسد ضعيف محدود القدرات والإمكانيات، حواسه مقيدة محدودة، فهو ذو بصر محدود، إذ لا يمكنه الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء لا يمكن للعين الرؤية إلا في حدود مكونات الضوء الأبيض.
الأبيض وهي الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي، وما ينتج عن اختلاطها ببعضها من ألوان متعددة، أما ما تعدى حدود ذلك من موجات ضوئية فلا يستطيع الإنسان أن يميزها، فالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية ( أشعة إكس ) وأشعة جاما وغيرها لا تدركها العين البشرية، بينما تستطيع بعض الطيور والحيوانات أن ترى الأشياء عن طريق الأشعة تحت الحمراء مثلاً، مما يمنحها القدرة على الرؤية في الظلام الدامس.
له عينان فقط وبالمقارنة بالحيوانات والحشرات والطيور فإن المعروف أن عدد عيون الحيوانات تتراوح بين عينين إلى عدة آلاف، فالعنكبوت مثلاً له ثمانية عيون، ومع ذلك فبصره ضعيف جداً بالنسبة لغيره.
وأما بالنسبة للسمع فإن الأذن البشرية ذات إمكانيات محدودة، حيث لا تستطيع الأذن البشرية تمييز الأصوات ذات التردد أو الذبذبات التي تقل عن حوالي عشرين ذبذبة في الثانية، أو التي تزيد عن حوالي عشرين ألف ذبذبة في الثانية، كما أن قوة الصوت أو شدته تؤثر تأثيراً ضاراً على أذن الإنسان إذا تعدت حدوداً معينة.
وتستطيع معظم الحيوانات أن تسمع الأصوات التي يكون كثير منها خارج المدى المسموع بواسطة الأذن البشرية، فالكلب مثلاً يستطيع أن يسمع الأصوات ذات التردد المنخفض بواسطة أجزاء حساسة عند الخطوط الجانبية من جسمه، وتستطيع الأسماك في الأحواض الزجاجية أن تسمع صدى حركتها منعكساً على زجاج الحوض فلا ترتطم به.
للخفاش قدرة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية
كما تتميز الطيور عموماً بسمع حاد قوي، أما الخفاش فلديه قدرة خاصة على استقبال الموجات الصوتية ذات الترددات العالية (ultrasounds) بواسطة أذنيه الكبيرتين، واللتين تتحركان في مختلف الاتجاهات بصورة مستمرة كأنها جهاز رادار يبحث عن تلك الموجات الصوتية.
إن الإنسان هو أضعف المخلوقات من حيث القوة العقلية والجسمانية، يحس بهذه الحقيقة في قرارة نفسه وحين يستعرض مشوار حياته منذ خلقه من الماء المهين مروراً بالحمل والمخاض وخروجه طفلاً ضعيفاً يستمد العون والمساعدة من غيره..
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}... (الروم : 54).
في الآية الكريمة يشير الحق سبحانه وتعالى إلى صفة الضعف تلك الصفة التي تلازم الإنسان طوال حياته وهى السمة المميزة للإنسان في مقتبل العمر وفى خريف حياته.
وسبحان الخالق العظيم جعل مشوار حياة الإنسان يبدأ بالضعف وينتهي به حتى وإن كان في ريعان شبابه وقمة عنفوانه فهو ضعيف.
إنه صريع أمام دوافع النوم (الموتة الصغرى) لا غلبة له عليه يطرحه أرضاً حتى وإن كانت قوة تصارع وتقهر العتاة.
أليس الإنسان ضعيفاً حتى في أوج قوته، وها هو المرض في أوهن أشكاله ومسبباته يقهر الإنسان ويوهن صحته ويحد من نشاطه وقد ينال من جسده ويضعف من قوته فيصبح عاجزاً لا يقوى على رعاية نفسه ؟ أليس المسلم ضعيفاً أخي المسلم حتى في لحظات ومراحل القوة والغطرسة التي قد تخدع أكثر الناس وتحيد به عن سواء السبيل ؟.
ونحن نتأمل صفة الضعف التي تلازم الإنسان فإننا لا نرى سوى سبيل واحد فريد هو مصدر كل قوة حقيقية وهو مبعث كل طمأنينة. وهو المصدر المنيع الذي يدافع عن النفس ويحميها من كل خطب وضلال وهوان. إنه الإيمان بالله.. فهو القوة الحقيقة في النفس البشرية ومادون ذلك فهو ضعف وهوان وإن كان ظاهره القوة.
تأمل أخي المسلم مرحلة الطفولة لحظة خروج الإنسان للحياة ثم طفلاً رضيعاً يستمد الغذاء والعون من أمه.
إنها لحظات الضعف والوهن الغامر الذي مر به كل مخلوق وأولهم الإنسان.
تذكر أخي الشاب المسلم هذه اللحظات وأرجع شريط مسيرة حياتك وتخيل كيف كنت لا تقوى على الحركة والجلوس والمشي ولا تقدر على التعبير والنطق ولا تدرك أسباب الحياة وحركتها...
تفكيرك محدود وقوتك ضعيفة وعزمك واهن وإرادتك تابعة وتطلب العون والمساعدة ثم تدرجت في قدراتك وتطور نموك وارتقت مفاهيمك واتسع إدراكك واشتد عودك وانتصب قوامك والتفت عضلاتك وتكونت شخصيتك وأصبحت رجلاً يتمتع بالقوة وتحتل مكانة وتتبوأ مركزاً مرموقاً أو تتحمل أعباء وتدير حركة الحياة وتعمر الأرض.
هل فكرت أخي المسلم كيف كنت؟ وإلى أين أصبحت؟ وهل استحضرت حقيقة كيف كنت؟ وأين أصبحت؟
أخي المسلم عليك أن تستلهم من مسيرة حياتك وتأخذ العبرة من لحظات الضعف التي كنت بها قبل أن تصبح رجلاً قوياً. فتكرس قوتك وتسخرها لعبادة الله وطاعته وتنتهز لحظات القوة لكي تؤدى واجب الطاعة والعبادة للخالق الذي أمدك بالقوة ووهبك العقل والفكر والبصيرة.
فلا تضيع قوتك التي سوف تزول لا محالة في هوى النفس وشهواتها ولا تفنى هذه القوة في معصية الله وفى غير ما أُهلت له.
تذكر أخي المسلم أن لحظات حياتك عجلة دائرة فأنت بين ضعف وقوة وعجز وقدرة.
خلق الله تعالى آدم من تراب من عناصر الأرض... من الحديد والكالسيوم والماغنسيوم والكربون وغيرها. واختار له الصورة التي أراده عليها وبث فيه الحياة وزوده بمواهب وطاقات تساعده على إعمار الأرض واستخراج مكنوناتها. وزوده بالعقل والسمع والبصر وشرع له المنهج الذي تستقيم به حياته وأمره بالسير في هذا الطريق وتجنب إغراءات الشيطان ونزعات النفس حتى لا يضل.
ولنرجع إلى جسم الإنسان لنرى ما قالت وما أثبتت المعامل:
إن جسم الإنسان العادي يحتوى على مائة وأربعين رطلا من الماء ومن الدهون ما يكفي لصنع سبع قطع من الصابون ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفين ومائتي عود ثقاب ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة من الأملاح الملينة. ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية.
هذا هو الإنسان. خلق من تراب فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلل جسمه إلى هذه العناصر ودخل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية.
وهكذا يُولد الإنسان متجها إلى نهايته. فكل دقيقة تمر تدنيه من أجله لا ينحرف عن هذه الغاية أبداً ولا يتخلف عن موعدها. أنفاسُ معدودة وخطواتُ محدودة
أ.د. عبدالكريم بكار
الإنسان هذا المخلوق العجيب هو صنعة الله تعالى المحكمة الدقيقة هذا الإنسان الذي يبدو للوهلةالأولى في منتهى البساطة مشتمل على كل أشكال التعقيد ، إنه يبدو قوياً مخيفاً مع أنه في حد ذاته ضعيف في كل جانب من جوانب شخصيته ضعفاً لا يوازيه شيء سوى ما يدعيه من القوة والعزة والسطوة !
إن هذه الكلمات القرآنية الثلاث قد لخّصت لنا جوهر الإنسان ، لكن دون أن تضع لنا الإصبع على مفردات ذلك الضعف ومظاهره ليظل اكتشافها التدريجي عبارة عن دروس وعظات مستمرة تذكر الإنسان بحقيقته ، وسوف ينفذ العمر دون أن نحيط بحقيقة أنفسنا .
ويمكن أن نسلط الضوء على بعض ما أدركناه من ضعفنا وبعض ما يجب علينا تجاه ذلك في الكلمات التالية :
1- تَبَصّر بني الإنسان عل الرغم من التقدم المعرفي الكبير بأجسامهم مازال محدوداً إلى يوم الناس هذا ، فهناك أجزاء من أجسامنا مازالت مناطق محرّمة ، فعلم الدماغ مازال علم إصابات أكثر من أن يكون علم وظائف وتشريح ، ومركبّات الأنسجة والسوائل المختلفة في أجسامنا وتفاعلها مع بعضها مازال الكثير منها مجهولاً ، فإذا ما دلفنا إلي مناطق المشاعر والإدراك وصلاتها وتفاعلاتها بالجوانب العضوية ، وجدنا أن كثيراً مما لدينا ظنون وتخرصات أكثر من أن يكون حقائق .
فإذا ما خطونا خطوة أخرى نحو العالم الوجداني والروحي وجدنا أنفسنا في متاهات وسراديب ، حتى إن الفردية لتطبع كل ذرة من ذرات وجودنا المعنوي ، مما يجعل إمكانات الفهم ووضع النواميس والنظم العامة أموراً قليلة الفاعلية محدودة النجاح .
إن الباحثين في مجالات علوم الإنسان يجدون الطرق متشعبة ملتوية كلما تقدموا نحو الأمام ، على حين أن الباحثين في علوم الطبيعة يستفيدون من أنواع التقدم المعرفي الأفقي في إضاءة ما بقي مظلماً من مسائل الطبيعة والمادة . وتقدّس الله تعالى إذ يقول : ] ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا [ [الإسراء : 85]
ويزداد ظهور ضعف الإنسان حين يدخل الإنسان في صراع بين عقله ومشاعره حيث يجد نفسه عاجزاً عن دفع مشاعره والخلاص من وساوسه والتغلب على مخاوفه أو معرفة مصدرها في بعض الأحيان ، ليدرك المرة تلو المرة أنه مع طموحه إلي السيادة على الأرض وغزو الفضاء قاصر عن السيطرة على نفسه !
إن فاعلية كل رأي ودقته نابعان من مجموعة العمليات التي يستند إليها فحين تكون تلك العمليات ظنية وعائمة فإن آراءنا الطبية والنفسية سوف يظل كثير منها هشاً ونسبي الصواب .
2- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يبصر الأمر إلا ضمن شروط ومعطيات زمانية ومكانية وثقافية خاصة ومحدودة ، فهو لا يستطيع أن يتخلص من محدودية الرؤية وضرورة النظر من زاوية معينة ، وهذا هو السرّ الأكبر في أننا لا نملك أن نتفق حول كثير من ا لمسائل والقضايا المطروحة . إن خصوصية تكويننا وظروفنا ومشاعرنا تدفع مواقفنا وآراءنا إلى التفرد ، ومن ثم فإننا نعجز عن توحيد الرؤية وبسط الرأي الواحد في أكثر شؤوننا .
3- نحن عاجزون عن إدراك الأشكال النهائية لأكثر حقائق هذا الكون دفعة واحدة ، فالحقائق لا تسفر لنا عن كل أبعادها وأطوارها إلا على سبيل التدرج ، ومن ثَمّ فإن الإنسان الضعيف يظل يكتشف عجزه باستمرار ، وكأن ما يحرزه من التقدم اليوم ليس إلا عنواناً على ما كان يجهله بالأمس ، وما سيصل إليه غداً ليس إلا رمزاً على ما يجهله اليوم ، ومن ثم فإن التغيير والتطوير يظلان ملازمين لكل إنتاجاتنا وإبداعاتنا علي مقدار ما نحرزه من تقدم في العلم والفهم ، والمقولة التي لا يفتأ هذا المخلوق الضعيف يرددها : » لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كذا، ولقلت كذا .. ، وانطلاقاً من هذا فإن من سمات النظريات العلمية الناجحة أن تكون منفتحة وذات قابلية جيدة للإضافات التي تأتي بها حركة كشف الحقائق وإدراك المجهولات .
4- هذا الإنسان الضعيف لا يستطيع أن يجزم بشيء مقطوع من حوادث المستقبل ، فمهما أدرك المرء الظروف والعوامل والمؤثرات التي تحيط به لم يستطع أن يعرف ماذا سيحدث له بعد شهر أو يوم أو ساعة ، وأعظم أطباء الدنيا لا يستطيع ضمان استمرار حياته أو حياة غيره ساعة من زمان ، ومن ثمّ فإن القلق والخوف من المستقبل هما الهاجس الجاثم فوق صدر الإنسان الحديث الذي فقد الإيمان وفضيلة الدمج بين الحياة الدنيا والآخرة ، والمتأمل في كثير من الأقوال والتصريحات والدراسات يجد أن خبراء الاستراتيجية هم أكثر الناس مجازفة ولا سيما عندما يشرعون في سرد التفاصيل للأحداث المتوقعة ، حيث تقصر طاقات البشر وإمكاناتهم عن التنبؤ بها [2] .
5- أكثر ما يظن فيه عجز الإنسان وضعفه هو الإمكانات التي يمتلكها لفهم الواقع المعاش بكلياته وجزئياته ومشكلاته وخباياه ، وقد كثرت في أيامنا هذه الدعوة إلى فهم الواقع وفقهه ، وهي دعوة مهمة ، لكنها تخفي في طريقة طرحها نوعاً من التبسيط للمسألة ، حيث إن فهم الواقع أو مقاربته مسألة من أعقد ما يواجهه العقل البشري ، فالقيم التي نؤمن بها تتحكم إلى حد كبير في رؤيتنا لذلك الواقع ، وكثيراً ما تشكل حائلاً بيننا وبين رؤية حقيقة ما يجري فيه . والعقل الإنساني حتى يلامس الواقع فإنه يفترض ثباته وجموده ، على حين أن الواقع يظل محطّة لتدفق التحولات المشعثة الكثيرة والحادة أحياناً مما يجعل إدراكنا قاصراً عن ملاحقته ، وبالتالي فإن أحكامنا تصدر على أشياء فائتة ومنتهية ومن هنا فإنه لابد من بناء (إشكالية) ، يتم من خلالها تقسيم الواقع إلى قضايا يمكن تحديدها وتقديم إجابات وحلول لها ، والنمط الذي سنصور الواقع من خلاله هو عبارة عن صورة عقلية مركبة تدخل فيها رؤانا العقدية إلى جانب العناصر المعرفية والقيم الاجتماعية التي ترشد حركة المجتمع ، ومادام كل ذلك متفاوتاً عند الناس فإن عجزنا عن لمّ الخلاف سوف يظهر أكثر وأكثر عندما نحاول تقويم الواقع وإصدار الأحكام عليه .
وهذا ما سيؤدي بالتالي إلى اختلافات كثيرة في مناهج الإصلاح ومشروعات النهوض الحضاري ، وهنا يظهر مرة أخرى مأزق وهن الإنسان حيث إن التقدم العلمي لا يتحقق دون الإغراق في التخصص ، والتقدم يستمد مشروعيته وأهميته من كونه يقدم الأدوات التي تساعد على إصلاح شأن الإنسان وترشيد قراراته ، لكن الإغراق في التخصص يحول دون فهم الواقع ودون فهم حاجات الإنسان المختلفة من منظور شامل ، إذ إن مجال التخصصات هو الجزئيات ، وفهم الواقع الإنساني يحتاج إلى رؤى ونظريات كلية لا تتوفر عادة عند الاختصاصيين .. ومن هنا ندرك لماذا نرى تقدم المعرفة وتأخر الإنسان وانحداره شيئاً فشيئاً نحو البربرية ! إننا عاجزون عن رعاية شؤوننا إذ اما ابتعدنا عن الانتفاع بالهداية الربانية .
الموقف الموضوعي مما سبق :
إذا كان الإنسان على ما ذكرنا من العجز والقصور فإن عليه أن يطامن من نفسه ، ويخضع لقيوم السموات والأرض خضوع العارف بضعته المدرك لعظمة خالقه متخذاً من ذلك باباً للأوبة والتوبة الدائمة .
وعلى الإنسان مع ذلك أن يحترم عقله وقدراته فلا يزجّ به في مجاهيل وغيوب لا يملك أدنى مقدمات للبحث فيها ، حتى لا يتناقض واقعه مع ذاته ومن المنهجية القويمة أن نعلّم أنفسنا الصبر على الاستقراء والتأمل وعدم المسارعة إلي إطلاق الأحكام الكبيرة قبل التأكد من سلامة المقدمات التي تستند إليها ، وحين نصل إلي حكم ظني فإنه علينا أن نصوغة بطريقة تُشعر المطلع عليه بذلك ، فلا نسوق القطعيات مساق الظنيات ، ولا الظنيات مساق القطعيات . ويروون عن الإمام مالك رحمه الله أنه كان كثيراً ما يردد قوله تعالى ] إن نظنُّ إلا ظنَّاً وما نحن بمستيقنين[ [الجاثية : 32] وذلك عندما يُستفتى فيفتي ، وقد عتب الإمام الجويني على الماوردي أنه كان في كتابه » الأحكام السلطانية « يسوق المظنونات والمعلومات على منهاج واحد « [3] . مع أن النصوص في مجالات » السياسة الشرعية « قليلة ، وأكثر المسائل فيها مبنية على الاجتهاد .
إن الوضعية التي وضع الله تعالى فيها الإنسان تحتم أن نظل في حالة من الاستعداد الدائم لقبول الحق أياً كان مصدره والتراجع عن الخطأ وتعديل الرأي وامتلاك فضيلة المرونة الذهنية ، وعلى الله قصد السبيل .
________________________
(1) النساء : 28 .
(2) اقرأ إن شئت ما كتبه (نيكسون) في كتابه (نصر بلا حرب) عن المستقبل الذي يتوقعه لروسيا ثم ما آلت إليه الأمور ! .
(3) انظر الغياثي : 142 تحقيق د عبد العظيم الديب
ما هو الطور
الطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته، ما هو من آيات الله العظيمة،ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن.
وقيل أيضاً: عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ شَكَوْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ " طُوفِي مِنْ وَرَاء النَّاس وَأَنْتِ رَاكِبَة " فَطُفْت وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جَنْب الْبَيْت يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَاب مَسْطُور .
يُقْسِم تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته الْعَظِيمَة أَنَّ عَذَابه وَاقِع بِأَعْدَائِهِ وَأَنَّهُ لَا دَافِع لَهُ عَنْهُمْ فَالطُّور هُوَ الْجَبَل الَّذِي يَكُون فِيهِ أَشْجَار مِثْل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى وَأَرْسَلَ مِنْهُ عِيسَى وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَجَر لَا يُسَمَّى طُورًا إِنَّمَا يُقَال لَهُ جَبَل .
يقول تعالى:
(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) المؤمنون- 20.
(وَطُورِ سِينِينَ) التين- 2.
من كتب التفسير:
الطبرى ـ باب 20 ـ جزء 19 : حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل بالشام مبارك.
وقال آخرون: معناه: حسن.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل حسن.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) الطور: الجبل بالنبطية، وسيناء، حسنة بالنبطية.
وقال آخرون: هو اسم جبل معروف.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل الطور الذي بالشام، جبل ببيت المقدس، قال: ممدود، هو بين مصر وبين أيلة.
وقال آخرون: معناه: أنه جبل ذو شجر.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عمن قاله.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به، كما قيل : جبلا طيئ، فأضيفا إلى طيئ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال : معناه : جبل مبارك، أو كما قال من قال : معناه حسن، لكان الطور منوّنا، وكان قوله سيناء من نعته، على أن سيناء بمعنى: مبارك وحسن، غير معروف في كلام العرب ، فيجعل ذلك من نعت الجبل، ولكن القول في ذلك إن شاء الله كما قال ابن عباس، من أنه جبل عرف بذلك، وأنه الحبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو مع ذلك مبارك، لا أن معنى سيناء: معنى مبارك.
ابن كثير ـ باب 18 ـ جزء 5 : قوله: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: الزيتونة. والطور: هو الجبل. وقال بعضهم: إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر، فإن عَرى عنها سمي جَبَلا لا طورًا، والله أعلم. وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الذي كَلَّم [الله] عليه موسى بن عمران، عليه السلام، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.
ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : { وَالزَّيْتُونِ } قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهد، وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{ وَطُورِ سِينِينَ } قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ } يعني: مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وإبراهيم النَّخَعِي، وابن زيد، وكعب الأحبار. ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلم الله عليه موسى [بن عمران] -وأشرق من سَاعيرَ -يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-واستعلن من جبال فاران -يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا-فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما.
القرطبى ـ باب (جزء 12) ـ جزء 12 : (من طور سيناء) أي أنبتها الله في الاصل من هذا الجبل الذى بارك الله فيه.
وطور سيناء من أرض الشام وهو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام، قاله ابن عباس وغيره، وقد تقدم في البقرة والاعراف.
والطور الجبل في كلام العرب.
البغوى ـ باب 19 ـ جزء 5 : { وَشَجَرَةً } أي: وأنشأنا لكم شجرة { تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } وهي الزيتون، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو "سيناء" بكسر السين. وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في معناه وفي "سينين" في قوله تعالى: "وطور سينين" (التين -2) قال مجاهد: معناه البركة، أي: من جبل مبارك. وقال قتادة: معناه الحسن، أي: من الجبل الحسن. وقال الضحاك: هو بالنبطية، ومعناه الحسن. وقال عكرمة: هو بالحبشية. وقال الكلبي: معناه الشجر، أي: جبل ذو شجر. وقيل: هو بالسريانية الملتفة بالأشجار. وقال مقاتل: كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سينا، وسينين بلغة النبط. وقيل: هو فيعال من السناء وهو الارتفاع. قال ابن زيد: هو الجبل الذي نودي منه موسى بين مصر وأيلة. وقال مجاهد: سينا اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وقال عكرمة: هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل.
الألوسى ـ باب 20 ـ جزء 13 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل موسى عليه السلام الذي ناجى ربه سبحانه عنده وهو بين مصر وابلة ، ويقال لها اليوم العقبة ، وقيل بفلسطين من أرض الشام ، ويقال له طور سينين ، وجمهور العرب على فتح سين سيناء والمد . وبذلك قرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . ويعقوب . وأكثر السبعة وهو اسم للبقعة . والطور اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو مضاف إلى { سَيْنَاء } كما أجمعوا عليه . ويقصد تنكيره على الأول كما في سائر الأعلام إذا أضيفت ، وعلى الثاني يكون طور سيناء كمنارة المسجد .
وجوز أن يكون كامرىء القيس بمعنى أنه جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علماً على ذلك العلم ، وقيل سيناء اسم لحجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده . وروي هذا عن مجاهد . وفي الصحاح طور سيناء جبل بالشام وهو طور أضيف إلى سيناء وهو شجر . وقيل هو اسم الجبل . والإضافة من إضافة العام إلى الخاص كما في جبل أحد .
وحكى هذا القول في البحر عن الجمهور لكن صحح القول بأنه اسم البقعة وهو ممنوع من الصرف للألف الممدودة فوزنه فعلاء كصحراء ، وقيل : منع من الصرف للعلمية والعجمة ، وقيل : للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة ووزنه فيعال لا فعلال إذ لا يوجد هذا الوزن في غير المضاعف في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لظلع الإبل حكاه الفراء ولم يثبته أبو البقاء ، والأكثرون على أنه ليس بعربي بل هو أمانبطي أو حبشي واصل معناه الحسن أو المبارك ، وجوز بعض أن يكون عربياً من السناء بالمد وهو الرفعة أو السنا بالقصر وهو النور .
الألوسى ـ باب 118 ـ جزء 13 : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من التجلي الإلهي.
الألوسى ـ باب 1 ـ جزء 19 : بسْم الله الرحمن الرَّحيم { يُوعَدُونَ والطور } الطور اسم لكل جبل على ما قيل : في اللغة العربية عند الجمهور ، وفي اللغة السريانية عند بعض ، ورواه ابن المنذر . وابن جرير عن مجاهد ، والمراد به هنا { طُورِ * سِينِينَ } الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عنده ، ويقال له : طور سيناء أيضاً ، والمعروف اليوم بذلك ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة ، وقال أبو حيان في تفسير سورة { والتين } [ التين : 1 ] : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، وقال في تفسيره : هذه السورة في الشام جبل يسمى الطور وهو طور سيناء فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله سبحانه به لفضله على الجبال ، قيل : وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام انتهى فلا تغفل ، وحكى الراغب أنه جبل محيط بالأرض ولا يصح عندي ، وقيل : جبل من جبال الجنة ، وروى فيه ابن مردويه عن أبي هريرة ، وعن كثير بن عبد الله حديثاً مرفوعاً ولا أظن صحته ، واستظهر أبو حيان أن المراد الجنس لا جبل معين ، وروى ذلك عن مجاهد . والكلبي ، والذي أعول عليه ما قدمته .
البحر المحيط ـ باب 142 ـ جزء 4 : { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } تقدّم ما المعنى بالطور . وفي الشام جبل عرف بالطور ولزمه هذا الاسم ، وهو طور سيناء . وليس هو المرفوع على بني إسرائيل ، لأن رفع الجبل كان فيما يلي التيه من جهة ديار مصر وهم ناهضون مع موسى عليه السلام ، وتقدمت قصة رفع الطور في البقرة .
البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . قيل : وهو الذي كلم الله عليه موسى ، عليه الصلاة والسلام .
البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام ، وهو الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه . ومعنى { سينين } : ذو الشجر . وقال عكرمة : حسن مبارك .
فتح القدير ـ باب 12 ـ جزء 5 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل ببيت المقدّس ، والطور الجبل في كلام العرب . وقيل : هو مما عرّب من كلام العجم . واختلف في معنى سيناء فقيل : هو الحسن . وقيل : هو المبارك ، وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل كما تقول : جبل أحد . وقيل : سيناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده . وقيل : هو كلّ جبل يحمل الثمار . وقرأ الكوفيون : { سيناء } بفتح السين ، وقرأ الباقون بكسر السين ، ولم يصرف لأنه جعل اسماً للبقعة ، وزعم الأخفش أنه أعجمي .
تصحيح (طور سينين) " والتين والزيتون . وطور سينين . وهذا البلد الأمين"
طور سيناء من أرض الشام، وهو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل: هو جبل بيت المقدس الممدود من مصر إلى أيلة. وكل جبل يحمل الثمار فهو سيناء، لأن معنى سيناء: حسن ( بلغة أهل الحبشة ) وقد أشاد الله تعالى بشجرة الزيتون وثمرها، لامتيازها عن كثير من أنواع الأشجار والثمار الأخرى، فشجرة الزيتون معمَّرة، ولا تحتاج إلى كثير عناية من السقي والحرث وغير ذلك.
والزيتون يعصر ويستخرج منه زيت من أفضل زيوت الدنيا علاجاً وطعاماً وبركة.
فالشجرة تنبت جناها وهو الزيتون وبه الدهن أي الزيت. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالائتدام بزيت الزيتون والإدهان به " فإنه طيِّب مبارك يخرج من شجرةٍ مباركة " وقد خص الطور بالزيتون، لجامع البركة بينهما، ولكونه مما يزرع حوله.
طور سينــــاء هو طور سينين، الذي في سيناء، هذا ما قاله العلماء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : ــ
قال ابن كثير رحمه الله – تعالى - في تفسير قول الله - تعالى : {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [سورة المؤمنون : 20].
[والشجرة : يعني الزيتونة.
والطور : هو الجبل.
وقال بعضهم : إنما يُسمى طورًا إذا كان فيه شجر، فإن عُرّيَ عنها سُمِّيَ جبلاً لا طورًا، والله أعلم.
وطور سيناء هو طور سينين، وهو الجبل الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام، وما حوله منَ الجبال التي فيها شجر الزيتون ...]. ا. هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم - 3/ 326].
وقال في موضعٍ آخر : [ قال بعض الأئمـــــة : هذه محالٌّ ثلاثـــــة، بعث الله في كل واحدٍ منها نبيــّـــًا مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار :
فالأول : محله التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام -.
والثاني : طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -.
والثالث : مكــــة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمِنـــًا، وهو الذي أرْسلَ الله منها محمــــدًا - صلى الله عليه وسلم - فذكرهم مُخبِرًا عنهم على الترتيب الوجودي، بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثمّ الأشرف منه، ثمّ بالأشرفِ منهما]. ا . هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم 4/ 681].
وفي شرقي مدينة القدس في فلسطين – رَدّها الله إلى المسلمين رَدًا جميلا – يوجد جبلٌ اسمه " جبل الطور "، وهو مِن أعلى جبالها، ويُسمى " بجبل الزيتون " .
وقد ورد ذِكر طور بيت المقدس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الطويل، الذي ذكر فيه الدجال، ونزول عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – وذكر فيه يأجوج ومأجوج حيث أمره أن يحترز وأصحابه منهم على الطور في القدس، وهو قريب من اللّدّ حيث يقتل عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – الدجال. وذلك بقوله : (..... فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعًا كفيهِ على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يَحِلّ لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، وَنَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبُهُ حتى يُدْرِكُهُ بباب لُدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني أخرجت عبادًا لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرةً ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما، وَيُحْصَرْ نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض *، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله - عز وجل -، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله قطرًا لا يكنّ منه بيت مدرٍ ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة .......) (صحيح) رواه : (أحمد ومسلم والترمذي). عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه - . انظر : [صحيح الجامع رقم: 4166].
* ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض : أي : يهبطون من جبل الطور بعد الحصار عليه إلى الأرض.
وطور بيت المقدس الذي يتحرّز عليه نبي الله عيسى وأصحابه من قوم يأجوج ومأجوج، هو غير طور سينين، الذي في سيناء، والذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -. وذلك لما تقدّمَ وما يأتي من أدلـــة - إن شاء الله تعالى -.
إذ أنّ طور سيناء جبل مبارك في سيناء، من أطراف بلاد الشام الجنوبية الغربية المباركة. والوادي المقدس طوى إلى جانبه، ومنه انطلقت نبوّة موسى - عليه الصلاة والسلام - ودعوته، كما جاء في كثير من الأدلة في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهّرة.
ولسيناء موقع جغرافي هام، حيث أنها تُعدّ رابطة اتصال بين مصر والشام، بل بين آسيا وأفريقيا.
وضُمّتْ سينـــاء إلى مصر ضمن تشكيلاتٍ إدارية للدولة العثمانيــــة، وذلك في عهد محمـــد علي رحمه الله - تعالى - عام 1810 م.
وفي جنوبي مدينة نابلس في فلسطين، يوجد أيضًا"جبل الطور " ويسمى " بجبل جرزيم "، أو " جبل البركـــة "، أو " جبل الفرائض ". وفيه تسكن الطائفة السامرية من اليهود ويعتبرونه قبلتهم.
هذا ما أعلمه، وقد تكون جبالٌ أخرى تحمل هذا الاسم غيرها، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بها.
سمى الله – تبارك وتعالى – سورةً في كتابه العزيز باسم الطور، وأقسم - سبحانه وتعالى – بالطور فيها، وله – جلّ في عُلاه - أن يقسِمَ بما شاء مِن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته.
قال الله - تعالى : {وَالطُّورِ ۞ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ۞ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} . [سورة الطور 1 - 3].
وأقسم بطور سينين في سورة التين وذلك بقوله – سبحانه - :{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۞ وَطُورِ سِينِينَ ۞ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [سورة التين 1 - 3].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله – تعالى – في تفسير هذه الآيات الكريـمـــــة :
[والتين] : هو التين المعروف وكذلك [الزيتون].
أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محلّ نبوةِ عيسى بن مريم – عليه السلام -.
[وطور سينين] أي : طور سيناء، محلّ نبوّة موسى – عليه السلام.
[وهذا البلد الأمين] : وهو مكـــــة المكرمـــــة، محلّ نبوّةِ محمد - صلى الله عليه وسلم –.
فأقسَمَ – تعالى – بهذه المواضع المُقدّسة التي اختارها، وابتعث منها أفضل الأنبياء وأشرفهم.
والمُقسَم عليه قوله : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ....] ا . هـ. انظر : [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 433].
وعن جنادة بن أبي أميّة الدوْسيّ قال : دخلتُ أنا وصاحبٍ لي على رجلٍ مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقلنا حدثنا ما سمعتَ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولا تُحدّثنا عن غيره، وإن كان عندَكَ مُصَدَّقا. قال : نعم، قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ذات يومٍ فقال : (أُنْذِرْكُمُ الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبيٌّ إلا وقد أنذرهُ أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعدٌ آدمُ ممسوحُ العين اليسرى، وإن معه جنةً ونارًا، فناره جنة، وجنته نار، وإن معه نهر ماءٍ وجبلُ خبز، وإنه يُسَلطُ على نفسٍ فيقتلها ثم يحييها، لايسلطُ على غيرها، وإنه يُمْطِرِ السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحًا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يَقْرُبُ أربعة مساجِد : مسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد المقدس، والطور، وما شُبّهَ عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور، مرتين) انظر: [السلسلة الصحيحة 6/ 1046 رقم 2934].
وهذا يدل أيضًا على أن مسجد المقدس غير الطور الذي في سيناء، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أثبت في الحديث الشريف أن كل واحدٍ منهما باسمه لا يدخله الدجال.
ثمّ إن الرّحالَ تُشَدَّ إلى المساجد الثلاثة : المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في المدينة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وعلى ذلك يستثنى من الحديث الشريف " الطور " : في سيناء، فإنه لا تشدّ الرحال إليه.
ففي الصحيحين قال رسول - صلى الله عليه وسلم – : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى) (متفق عليه). أخرجه البخاري (1/ 299) ومسلم (4/ 126).
ولحديث أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة - رضي الله عنه - وهو جاءٍ من الطور، فقال : من أين أقبلت ؟ قال : من الطور، صليت فيه، قال : أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أخرجه الطيالسي (1348، 2506) وأحمد (6/ 7).
قال شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى - في التعليق على الحديث : [والحديث عامّ يشمل المساجد وغيرها من المواطن التي تقصد لذاتها، أو لفضل يُدعى فيها، ألا ترى أن أبا بصرة - رضي الله عنه - قد أنكر على أبي هريرة - رضي الله عنه - سفره إلى الطور، وليس هو مسجدًا يُصلى فيه، وانما هو جبلٌ كلم الله فيه موسى - عليه السلام - فهو جبلُ مبارك، ومع ذلك أنكر أبو بصرة السفر إليه ...]. انظر : [إرواء الغليل 4/ 143 رقم 970].
وقال رحمه الله – تعالى - في موضعٍ آخر : [هذا، ولا بأس من أن أنقل إليك ما ذكره وليّ الله الدّهلوي في مسألة شدّ الرحال، لأنه لا يخلو من فائدة جديدة، قال - رحمه الله - في (الحجة البالغة) (1/ 192) :
[كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع مُعَظّّمَةً بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريفِ والفسادِ ما لا يخفى، فََسَدََّ - صلى الله عليه وسلم - الفسادَ، لئلا يُلحَقَ غيرُ الشّعائر بالشّعائر، ولئلا يصيرَ ذريعةً لعبادةِ غير الله.
والحقّ عِندي أن القبر، ومحلّ عبادةِ وَليٍٍّ من الأولياء، والطور، كل ذلك سواءٌ في النهي ...)] ا . هـ. انظر : [الثمر المُستطاب 2/ 567].
ولا يكفيهِ دليلاً قولُ من قال : [بأن طور سينين أو طور سيناء هو الذي في بيت المقدس، وليس الذي في سيناء، لأن بيت المقدس أرض مباركة، وليس الأمر كذلك في سيناء]. ا. هـ.
وذلك لأن قُدسيةَ بيت المقدس – ردّّها الله إلى المسلمين ردًا جميلا - لا تُنافي ولا تمنع مِن أن يكون الوادي المقدس طوى في سيناء، أو في غيرهما أيضًا مُقدّسا، فقد ثبت في الحديث المتفق عليه أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - جاء للنبيّ - صلى الله عليه وسلم – بأمرٍ من ربه – سبحانه وتعالى – وأمره أن يصلي في وادي العقيق، وهو في منطقة ذي الحليفة، أو ما يُسميه البعض ابيار علي، التي يُحْرِمُ منها الحجيجُ القادمون من المدينة إلى مكـــة، فالصلاة فيها تعظيمًا لقدسية المكان وبركته، وليست سُنة إحرامٍ كما يظنّ الكثيرون، إلا إذا وافقت وقت صلاة.
فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بوادي العقيق يقول : (أتاني الليلة آت من ربي فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل : عُمْرَةٌ في حجة). وفي رواية : (قل عمرة وحجة). (صحيح) رواه (البخاري ومسلم).
فبيت المقدس أرض مباركة، ووادي العقيق في ذي الحليفة أرض مباركة، والوادي المقدّس طُوى في سيناء أرض مباركة، مرّ به موسى عليه الصلاة والسلام – في طريق عودته من مِديَن إلى مصر، وبشره الله - تبارك وتعالى - باختياره نبيًا رسولاً إلى فرعون وإلى بني إسرائيل، وكلّمـــهُ كلامًا يليقُ بجلاله، بلا وساطة وحيٍ، وهذه كرامة من الله - تعالى - لنبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام -.
قال الله – تعالى - مُخاطِبًا رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ۞ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ۞ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ۞ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ۞ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه : 11 - 14].
هذه أقوال العلماء بالأدلة القائمـــــة على الكتاب والسنة، فمن قال بأن الطور المقصود في الآية الكريمة : {وَطُورِ سِينِينَ} هو طور بيت المقدس، فعليه أن يأتي بالحجــــة القائمـــــة على الدليل الشرعي الصحيح.
إذ لا يستقيم الأخذ بالرأي والهوى، والقياس العقلي، والإعراض عن الأدلة، وتفاسير العلماء الراسخين في العلم، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بالبلاد كيف كانت في تلك الحقبة من التاريخ، وما تعرضت له من عوامل بيئية - بإذن ربها - منذ آلاف السنين، وما تعاقبت عليها مِن أمم، وسادت حضارات ثمّ بادت، فلا تُقارنُ ولا يُحكم عليها، مقياسًا لما هي عليه الآن في زماننا.
ورحم الله – تعالى – ابن القيّم إذ قال : [ونحن نرى أنه كلما اشتد تَوَغّلَ الرجل في القياس، اشتدتْ مُخالفتُهُ للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سُنةٍ صحيحةٍ صريحةٍ قد عُطّلَتْ به، وكم مِن أثََرٍ دَرَسَ حُكْمُهُ بسببه.
فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، مُعَطلةٌ أحكامُها، مَعزولةٌ عن سلطانها وولايتها، لها الاسم ولغيرها الحكم، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي ...] انظر : [الحديث حجـــة بنفسه ص 45].
قال الله - تعالى : {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۞ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ۞ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۞ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة النمل 50 – 53].
نسأل الله العفوَ والعافيــــة.
جزى الله علمائنا الأعلام منارات الهدى خير الجزاء ونفع بعلمهم، وحفظ الله سائر بلاد المسلمين آمنـــــًة مطمئنــــــة، آمين ... آمين.
وقيل أيضاً: عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ شَكَوْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ " طُوفِي مِنْ وَرَاء النَّاس وَأَنْتِ رَاكِبَة " فَطُفْت وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جَنْب الْبَيْت يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَاب مَسْطُور .
يُقْسِم تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته الْعَظِيمَة أَنَّ عَذَابه وَاقِع بِأَعْدَائِهِ وَأَنَّهُ لَا دَافِع لَهُ عَنْهُمْ فَالطُّور هُوَ الْجَبَل الَّذِي يَكُون فِيهِ أَشْجَار مِثْل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى وَأَرْسَلَ مِنْهُ عِيسَى وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَجَر لَا يُسَمَّى طُورًا إِنَّمَا يُقَال لَهُ جَبَل .
يقول تعالى:
(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) المؤمنون- 20.
(وَطُورِ سِينِينَ) التين- 2.
من كتب التفسير:
الطبرى ـ باب 20 ـ جزء 19 : حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل بالشام مبارك.
وقال آخرون: معناه: حسن.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل حسن.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) الطور: الجبل بالنبطية، وسيناء، حسنة بالنبطية.
وقال آخرون: هو اسم جبل معروف.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل الطور الذي بالشام، جبل ببيت المقدس، قال: ممدود، هو بين مصر وبين أيلة.
وقال آخرون: معناه: أنه جبل ذو شجر.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عمن قاله.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به، كما قيل : جبلا طيئ، فأضيفا إلى طيئ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال : معناه : جبل مبارك، أو كما قال من قال : معناه حسن، لكان الطور منوّنا، وكان قوله سيناء من نعته، على أن سيناء بمعنى: مبارك وحسن، غير معروف في كلام العرب ، فيجعل ذلك من نعت الجبل، ولكن القول في ذلك إن شاء الله كما قال ابن عباس، من أنه جبل عرف بذلك، وأنه الحبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو مع ذلك مبارك، لا أن معنى سيناء: معنى مبارك.
ابن كثير ـ باب 18 ـ جزء 5 : قوله: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: الزيتونة. والطور: هو الجبل. وقال بعضهم: إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر، فإن عَرى عنها سمي جَبَلا لا طورًا، والله أعلم. وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الذي كَلَّم [الله] عليه موسى بن عمران، عليه السلام، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.
ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : { وَالزَّيْتُونِ } قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهد، وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{ وَطُورِ سِينِينَ } قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ } يعني: مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وإبراهيم النَّخَعِي، وابن زيد، وكعب الأحبار. ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلم الله عليه موسى [بن عمران] -وأشرق من سَاعيرَ -يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-واستعلن من جبال فاران -يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا-فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما.
القرطبى ـ باب (جزء 12) ـ جزء 12 : (من طور سيناء) أي أنبتها الله في الاصل من هذا الجبل الذى بارك الله فيه.
وطور سيناء من أرض الشام وهو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام، قاله ابن عباس وغيره، وقد تقدم في البقرة والاعراف.
والطور الجبل في كلام العرب.
البغوى ـ باب 19 ـ جزء 5 : { وَشَجَرَةً } أي: وأنشأنا لكم شجرة { تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } وهي الزيتون، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو "سيناء" بكسر السين. وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في معناه وفي "سينين" في قوله تعالى: "وطور سينين" (التين -2) قال مجاهد: معناه البركة، أي: من جبل مبارك. وقال قتادة: معناه الحسن، أي: من الجبل الحسن. وقال الضحاك: هو بالنبطية، ومعناه الحسن. وقال عكرمة: هو بالحبشية. وقال الكلبي: معناه الشجر، أي: جبل ذو شجر. وقيل: هو بالسريانية الملتفة بالأشجار. وقال مقاتل: كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سينا، وسينين بلغة النبط. وقيل: هو فيعال من السناء وهو الارتفاع. قال ابن زيد: هو الجبل الذي نودي منه موسى بين مصر وأيلة. وقال مجاهد: سينا اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وقال عكرمة: هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل.
الألوسى ـ باب 20 ـ جزء 13 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل موسى عليه السلام الذي ناجى ربه سبحانه عنده وهو بين مصر وابلة ، ويقال لها اليوم العقبة ، وقيل بفلسطين من أرض الشام ، ويقال له طور سينين ، وجمهور العرب على فتح سين سيناء والمد . وبذلك قرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . ويعقوب . وأكثر السبعة وهو اسم للبقعة . والطور اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو مضاف إلى { سَيْنَاء } كما أجمعوا عليه . ويقصد تنكيره على الأول كما في سائر الأعلام إذا أضيفت ، وعلى الثاني يكون طور سيناء كمنارة المسجد .
وجوز أن يكون كامرىء القيس بمعنى أنه جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علماً على ذلك العلم ، وقيل سيناء اسم لحجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده . وروي هذا عن مجاهد . وفي الصحاح طور سيناء جبل بالشام وهو طور أضيف إلى سيناء وهو شجر . وقيل هو اسم الجبل . والإضافة من إضافة العام إلى الخاص كما في جبل أحد .
وحكى هذا القول في البحر عن الجمهور لكن صحح القول بأنه اسم البقعة وهو ممنوع من الصرف للألف الممدودة فوزنه فعلاء كصحراء ، وقيل : منع من الصرف للعلمية والعجمة ، وقيل : للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة ووزنه فيعال لا فعلال إذ لا يوجد هذا الوزن في غير المضاعف في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لظلع الإبل حكاه الفراء ولم يثبته أبو البقاء ، والأكثرون على أنه ليس بعربي بل هو أمانبطي أو حبشي واصل معناه الحسن أو المبارك ، وجوز بعض أن يكون عربياً من السناء بالمد وهو الرفعة أو السنا بالقصر وهو النور .
الألوسى ـ باب 118 ـ جزء 13 : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من التجلي الإلهي.
الألوسى ـ باب 1 ـ جزء 19 : بسْم الله الرحمن الرَّحيم { يُوعَدُونَ والطور } الطور اسم لكل جبل على ما قيل : في اللغة العربية عند الجمهور ، وفي اللغة السريانية عند بعض ، ورواه ابن المنذر . وابن جرير عن مجاهد ، والمراد به هنا { طُورِ * سِينِينَ } الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عنده ، ويقال له : طور سيناء أيضاً ، والمعروف اليوم بذلك ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة ، وقال أبو حيان في تفسير سورة { والتين } [ التين : 1 ] : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، وقال في تفسيره : هذه السورة في الشام جبل يسمى الطور وهو طور سيناء فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله سبحانه به لفضله على الجبال ، قيل : وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام انتهى فلا تغفل ، وحكى الراغب أنه جبل محيط بالأرض ولا يصح عندي ، وقيل : جبل من جبال الجنة ، وروى فيه ابن مردويه عن أبي هريرة ، وعن كثير بن عبد الله حديثاً مرفوعاً ولا أظن صحته ، واستظهر أبو حيان أن المراد الجنس لا جبل معين ، وروى ذلك عن مجاهد . والكلبي ، والذي أعول عليه ما قدمته .
البحر المحيط ـ باب 142 ـ جزء 4 : { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } تقدّم ما المعنى بالطور . وفي الشام جبل عرف بالطور ولزمه هذا الاسم ، وهو طور سيناء . وليس هو المرفوع على بني إسرائيل ، لأن رفع الجبل كان فيما يلي التيه من جهة ديار مصر وهم ناهضون مع موسى عليه السلام ، وتقدمت قصة رفع الطور في البقرة .
البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . قيل : وهو الذي كلم الله عليه موسى ، عليه الصلاة والسلام .
البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام ، وهو الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه . ومعنى { سينين } : ذو الشجر . وقال عكرمة : حسن مبارك .
فتح القدير ـ باب 12 ـ جزء 5 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل ببيت المقدّس ، والطور الجبل في كلام العرب . وقيل : هو مما عرّب من كلام العجم . واختلف في معنى سيناء فقيل : هو الحسن . وقيل : هو المبارك ، وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل كما تقول : جبل أحد . وقيل : سيناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده . وقيل : هو كلّ جبل يحمل الثمار . وقرأ الكوفيون : { سيناء } بفتح السين ، وقرأ الباقون بكسر السين ، ولم يصرف لأنه جعل اسماً للبقعة ، وزعم الأخفش أنه أعجمي .
تصحيح (طور سينين) " والتين والزيتون . وطور سينين . وهذا البلد الأمين"
طور سيناء من أرض الشام، وهو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل: هو جبل بيت المقدس الممدود من مصر إلى أيلة. وكل جبل يحمل الثمار فهو سيناء، لأن معنى سيناء: حسن ( بلغة أهل الحبشة ) وقد أشاد الله تعالى بشجرة الزيتون وثمرها، لامتيازها عن كثير من أنواع الأشجار والثمار الأخرى، فشجرة الزيتون معمَّرة، ولا تحتاج إلى كثير عناية من السقي والحرث وغير ذلك.
والزيتون يعصر ويستخرج منه زيت من أفضل زيوت الدنيا علاجاً وطعاماً وبركة.
فالشجرة تنبت جناها وهو الزيتون وبه الدهن أي الزيت. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالائتدام بزيت الزيتون والإدهان به " فإنه طيِّب مبارك يخرج من شجرةٍ مباركة " وقد خص الطور بالزيتون، لجامع البركة بينهما، ولكونه مما يزرع حوله.
طور سينــــاء هو طور سينين، الذي في سيناء، هذا ما قاله العلماء.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : ــ
قال ابن كثير رحمه الله – تعالى - في تفسير قول الله - تعالى : {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [سورة المؤمنون : 20].
[والشجرة : يعني الزيتونة.
والطور : هو الجبل.
وقال بعضهم : إنما يُسمى طورًا إذا كان فيه شجر، فإن عُرّيَ عنها سُمِّيَ جبلاً لا طورًا، والله أعلم.
وطور سيناء هو طور سينين، وهو الجبل الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام، وما حوله منَ الجبال التي فيها شجر الزيتون ...]. ا. هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم - 3/ 326].
وقال في موضعٍ آخر : [ قال بعض الأئمـــــة : هذه محالٌّ ثلاثـــــة، بعث الله في كل واحدٍ منها نبيــّـــًا مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار :
فالأول : محله التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام -.
والثاني : طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -.
والثالث : مكــــة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمِنـــًا، وهو الذي أرْسلَ الله منها محمــــدًا - صلى الله عليه وسلم - فذكرهم مُخبِرًا عنهم على الترتيب الوجودي، بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثمّ الأشرف منه، ثمّ بالأشرفِ منهما]. ا . هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم 4/ 681].
وفي شرقي مدينة القدس في فلسطين – رَدّها الله إلى المسلمين رَدًا جميلا – يوجد جبلٌ اسمه " جبل الطور "، وهو مِن أعلى جبالها، ويُسمى " بجبل الزيتون " .
وقد ورد ذِكر طور بيت المقدس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الطويل، الذي ذكر فيه الدجال، ونزول عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – وذكر فيه يأجوج ومأجوج حيث أمره أن يحترز وأصحابه منهم على الطور في القدس، وهو قريب من اللّدّ حيث يقتل عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – الدجال. وذلك بقوله : (..... فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعًا كفيهِ على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يَحِلّ لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، وَنَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبُهُ حتى يُدْرِكُهُ بباب لُدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني أخرجت عبادًا لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرةً ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما، وَيُحْصَرْ نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض *، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله - عز وجل -، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله قطرًا لا يكنّ منه بيت مدرٍ ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة .......) (صحيح) رواه : (أحمد ومسلم والترمذي). عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه - . انظر : [صحيح الجامع رقم: 4166].
* ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض : أي : يهبطون من جبل الطور بعد الحصار عليه إلى الأرض.
وطور بيت المقدس الذي يتحرّز عليه نبي الله عيسى وأصحابه من قوم يأجوج ومأجوج، هو غير طور سينين، الذي في سيناء، والذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -. وذلك لما تقدّمَ وما يأتي من أدلـــة - إن شاء الله تعالى -.
إذ أنّ طور سيناء جبل مبارك في سيناء، من أطراف بلاد الشام الجنوبية الغربية المباركة. والوادي المقدس طوى إلى جانبه، ومنه انطلقت نبوّة موسى - عليه الصلاة والسلام - ودعوته، كما جاء في كثير من الأدلة في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهّرة.
ولسيناء موقع جغرافي هام، حيث أنها تُعدّ رابطة اتصال بين مصر والشام، بل بين آسيا وأفريقيا.
وضُمّتْ سينـــاء إلى مصر ضمن تشكيلاتٍ إدارية للدولة العثمانيــــة، وذلك في عهد محمـــد علي رحمه الله - تعالى - عام 1810 م.
وفي جنوبي مدينة نابلس في فلسطين، يوجد أيضًا"جبل الطور " ويسمى " بجبل جرزيم "، أو " جبل البركـــة "، أو " جبل الفرائض ". وفيه تسكن الطائفة السامرية من اليهود ويعتبرونه قبلتهم.
هذا ما أعلمه، وقد تكون جبالٌ أخرى تحمل هذا الاسم غيرها، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بها.
سمى الله – تبارك وتعالى – سورةً في كتابه العزيز باسم الطور، وأقسم - سبحانه وتعالى – بالطور فيها، وله – جلّ في عُلاه - أن يقسِمَ بما شاء مِن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته.
قال الله - تعالى : {وَالطُّورِ ۞ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ۞ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} . [سورة الطور 1 - 3].
وأقسم بطور سينين في سورة التين وذلك بقوله – سبحانه - :{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۞ وَطُورِ سِينِينَ ۞ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [سورة التين 1 - 3].
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله – تعالى – في تفسير هذه الآيات الكريـمـــــة :
[والتين] : هو التين المعروف وكذلك [الزيتون].
أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محلّ نبوةِ عيسى بن مريم – عليه السلام -.
[وطور سينين] أي : طور سيناء، محلّ نبوّة موسى – عليه السلام.
[وهذا البلد الأمين] : وهو مكـــــة المكرمـــــة، محلّ نبوّةِ محمد - صلى الله عليه وسلم –.
فأقسَمَ – تعالى – بهذه المواضع المُقدّسة التي اختارها، وابتعث منها أفضل الأنبياء وأشرفهم.
والمُقسَم عليه قوله : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ....] ا . هـ. انظر : [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 433].
وعن جنادة بن أبي أميّة الدوْسيّ قال : دخلتُ أنا وصاحبٍ لي على رجلٍ مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقلنا حدثنا ما سمعتَ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولا تُحدّثنا عن غيره، وإن كان عندَكَ مُصَدَّقا. قال : نعم، قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ذات يومٍ فقال : (أُنْذِرْكُمُ الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبيٌّ إلا وقد أنذرهُ أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعدٌ آدمُ ممسوحُ العين اليسرى، وإن معه جنةً ونارًا، فناره جنة، وجنته نار، وإن معه نهر ماءٍ وجبلُ خبز، وإنه يُسَلطُ على نفسٍ فيقتلها ثم يحييها، لايسلطُ على غيرها، وإنه يُمْطِرِ السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحًا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يَقْرُبُ أربعة مساجِد : مسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد المقدس، والطور، وما شُبّهَ عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور، مرتين) انظر: [السلسلة الصحيحة 6/ 1046 رقم 2934].
وهذا يدل أيضًا على أن مسجد المقدس غير الطور الذي في سيناء، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أثبت في الحديث الشريف أن كل واحدٍ منهما باسمه لا يدخله الدجال.
ثمّ إن الرّحالَ تُشَدَّ إلى المساجد الثلاثة : المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في المدينة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وعلى ذلك يستثنى من الحديث الشريف " الطور " : في سيناء، فإنه لا تشدّ الرحال إليه.
ففي الصحيحين قال رسول - صلى الله عليه وسلم – : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى) (متفق عليه). أخرجه البخاري (1/ 299) ومسلم (4/ 126).
ولحديث أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة - رضي الله عنه - وهو جاءٍ من الطور، فقال : من أين أقبلت ؟ قال : من الطور، صليت فيه، قال : أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أخرجه الطيالسي (1348، 2506) وأحمد (6/ 7).
قال شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى - في التعليق على الحديث : [والحديث عامّ يشمل المساجد وغيرها من المواطن التي تقصد لذاتها، أو لفضل يُدعى فيها، ألا ترى أن أبا بصرة - رضي الله عنه - قد أنكر على أبي هريرة - رضي الله عنه - سفره إلى الطور، وليس هو مسجدًا يُصلى فيه، وانما هو جبلٌ كلم الله فيه موسى - عليه السلام - فهو جبلُ مبارك، ومع ذلك أنكر أبو بصرة السفر إليه ...]. انظر : [إرواء الغليل 4/ 143 رقم 970].
وقال رحمه الله – تعالى - في موضعٍ آخر : [هذا، ولا بأس من أن أنقل إليك ما ذكره وليّ الله الدّهلوي في مسألة شدّ الرحال، لأنه لا يخلو من فائدة جديدة، قال - رحمه الله - في (الحجة البالغة) (1/ 192) :
[كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع مُعَظّّمَةً بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريفِ والفسادِ ما لا يخفى، فََسَدََّ - صلى الله عليه وسلم - الفسادَ، لئلا يُلحَقَ غيرُ الشّعائر بالشّعائر، ولئلا يصيرَ ذريعةً لعبادةِ غير الله.
والحقّ عِندي أن القبر، ومحلّ عبادةِ وَليٍٍّ من الأولياء، والطور، كل ذلك سواءٌ في النهي ...)] ا . هـ. انظر : [الثمر المُستطاب 2/ 567].
ولا يكفيهِ دليلاً قولُ من قال : [بأن طور سينين أو طور سيناء هو الذي في بيت المقدس، وليس الذي في سيناء، لأن بيت المقدس أرض مباركة، وليس الأمر كذلك في سيناء]. ا. هـ.
وذلك لأن قُدسيةَ بيت المقدس – ردّّها الله إلى المسلمين ردًا جميلا - لا تُنافي ولا تمنع مِن أن يكون الوادي المقدس طوى في سيناء، أو في غيرهما أيضًا مُقدّسا، فقد ثبت في الحديث المتفق عليه أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - جاء للنبيّ - صلى الله عليه وسلم – بأمرٍ من ربه – سبحانه وتعالى – وأمره أن يصلي في وادي العقيق، وهو في منطقة ذي الحليفة، أو ما يُسميه البعض ابيار علي، التي يُحْرِمُ منها الحجيجُ القادمون من المدينة إلى مكـــة، فالصلاة فيها تعظيمًا لقدسية المكان وبركته، وليست سُنة إحرامٍ كما يظنّ الكثيرون، إلا إذا وافقت وقت صلاة.
فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بوادي العقيق يقول : (أتاني الليلة آت من ربي فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل : عُمْرَةٌ في حجة). وفي رواية : (قل عمرة وحجة). (صحيح) رواه (البخاري ومسلم).
فبيت المقدس أرض مباركة، ووادي العقيق في ذي الحليفة أرض مباركة، والوادي المقدّس طُوى في سيناء أرض مباركة، مرّ به موسى عليه الصلاة والسلام – في طريق عودته من مِديَن إلى مصر، وبشره الله - تبارك وتعالى - باختياره نبيًا رسولاً إلى فرعون وإلى بني إسرائيل، وكلّمـــهُ كلامًا يليقُ بجلاله، بلا وساطة وحيٍ، وهذه كرامة من الله - تعالى - لنبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام -.
قال الله – تعالى - مُخاطِبًا رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ۞ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ۞ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ۞ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ۞ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه : 11 - 14].
هذه أقوال العلماء بالأدلة القائمـــــة على الكتاب والسنة، فمن قال بأن الطور المقصود في الآية الكريمة : {وَطُورِ سِينِينَ} هو طور بيت المقدس، فعليه أن يأتي بالحجــــة القائمـــــة على الدليل الشرعي الصحيح.
إذ لا يستقيم الأخذ بالرأي والهوى، والقياس العقلي، والإعراض عن الأدلة، وتفاسير العلماء الراسخين في العلم، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بالبلاد كيف كانت في تلك الحقبة من التاريخ، وما تعرضت له من عوامل بيئية - بإذن ربها - منذ آلاف السنين، وما تعاقبت عليها مِن أمم، وسادت حضارات ثمّ بادت، فلا تُقارنُ ولا يُحكم عليها، مقياسًا لما هي عليه الآن في زماننا.
ورحم الله – تعالى – ابن القيّم إذ قال : [ونحن نرى أنه كلما اشتد تَوَغّلَ الرجل في القياس، اشتدتْ مُخالفتُهُ للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سُنةٍ صحيحةٍ صريحةٍ قد عُطّلَتْ به، وكم مِن أثََرٍ دَرَسَ حُكْمُهُ بسببه.
فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، مُعَطلةٌ أحكامُها، مَعزولةٌ عن سلطانها وولايتها، لها الاسم ولغيرها الحكم، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي ...] انظر : [الحديث حجـــة بنفسه ص 45].
قال الله - تعالى : {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۞ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ۞ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۞ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة النمل 50 – 53].
نسأل الله العفوَ والعافيــــة.
جزى الله علمائنا الأعلام منارات الهدى خير الجزاء ونفع بعلمهم، وحفظ الله سائر بلاد المسلمين آمنـــــًة مطمئنــــــة، آمين ... آمين.
الأحد، 22 يناير 2017
ما هو الوسواس وما علاجه
ما هو الوسواس؟ و ما هي أسبابه ؟ و كيف يمكن علاجه؟ وكيف يتم الإصابة به وما هي أعراضهُ؟
يعرف الوسواسلغةً على أنه الصوت الخفيّ أو حديث النفس الداخل، ويعرف إصطلاحاً على أنه وسّوسة الشطان للإنسان في نفسهِ بأمرِ ما، والوسواس يعتبرُ من أحاديث النفس الداخلة للفرد وهذا لا يعني أن الحديث الداخلي لنفس الفرد هو مرض إنما يصبح الوسواس مرضاً إنّ تجاوز الحد الطبيعي للأحاديث والأفكار الباطنيّة بنفس الفرد.
ويعتبر الوسواس هو إعتقادالفرد وإيمانهِ بفكرة معينة تسيطر على عقله وذاتهِ وتكون هذه الفكرة قهرّية النوع أي لا يمكن إزالتها بسهولة فتسيطر عليهِ معظم الوقت لذلك أطلقَ على بعض أنواع الوساوس بالوسّاس القهر، ووالوسواس هو سيطرة فكرة ما على عقل فرد معين فتتردد هذهِ الفكرة بشكل مستمر في عقلهِ حيث يعتبر الوسواسإحدى أنواع الهوسّ وكل فرد قد يتعرض في فترة من حياتهِ لهوس ما أو فكرة تلاحقهُ بإستمرار ولكن تعتبر هذهِ حالة عرضية وبالتالي يصبح ما يسمى وواس مؤقت ناتج عن تأثير شيء ما أو فكرة على عقل الفرد لكثرة إنشغاله بها وخوفهِ من أمر ما ويعتبر هذا النوع وواس عابر حيث أن الوسواس هو عبارة عن مجموعة من الإندفاعات والأفكار والمخاوف المتكررة قد تلازمُ الفرد لفترة طويلة أو مؤقتة.
أعراض الوواس:-
الوسواس لا يعتبر مرضاً بحد ذاتهِ بل يصنف على أنه إحدى الحالات النفسة العابرة والتي تصيبُ الفرد نتيجةً لظروفٍ معينة، وأعراض الوسواس تتمثل بوسة في أعماق الفرد بفكرّة أو فعل ما يسيطر عليه كل الوقت ويسبب له المخاوف والقلق المستمر ومن أعراض الوسواسخوف الشخص المستمر من شيء ما بشكل كبير وحرصهُ على الإلتزام بروتين معين ،والشخص المصاب بالوسواس هو شخص تبدو عليه الإنطوائية فيصعب عليه التكيف والتعايش مع الآخرين بسهولة ويحرص على القيام بأعمالهِ بدقة متناهية ويركز على التفاصيل الصغيرة جدا كما أن الفرد الذي يعاني من الوسواسهو شخص يميل للشك بشكلٍ كبير ومستمر وكثير التذمر من الآخرين كما أنه يتصادم مع الآخرين بكثرة خصوصاً في حالات النقاش والحوار وتسيطر عليه دوماً أفكار إضطهادية.
أسباب الوسواس:-
كما ذكرنا سابقاً بأن الوسواسلا يعتبر مرضا بحد ذاته إنما هو نتيجة عرضية لعوامل معينة فقد يصيب الفرد نتيجة لعامل وراثي فقد تبين أنّ الأفراد الّذين يعانون من الوسواسيتعرض أطفالهم لنفس التجربة وقد لا يكون هناك عامل وراثي لكن الفرد يعاني من الوسواس ويعود ذلك نتيجه لنشوء الفرد ببيئة مفككة أسرياً أو نتيجة لتعرض الفرد بطفولتة إلى إضطرابات بتكوين شخصيتة والتعرض للإضطهاد المستمر،وفي حالات نادرة قد يكون نتيجة لإظطرابات فسيولوجية بعقل الفرد فيحدث خلل ما في الرسم الكهربائي للعقل البشري.
والوساوس أشكال وأنواع مختلفة فمنها :-
- وسّواس الصلاة: حيث يميل الفرد للشود كثيراً بالصلاة وتسيطر عليه فكرة عدم التركيز فيقوم بإعادة الصلاة مراراً وتكراراً ويلازمة الخوف بنسيان إحدى الركعات.
- وسواس الطهارة: في هذا النوع تسيطر على الفرد فكرة عدم طهارته أو وضوئه بالشكل الصحيح فيقوم بغسل أعضائهِ أثناء الوضوء بشكل مبالغ فيه.
- وسواس المرض: في هذه الحالة تسيطر على الفرد فكرة الخوف من المرض والعدوى من الآخرين.
علاج الوسّاس:-
يمكن علاج الوساس بعدة طرق سواء دوائيه أو سلوكيه، فالعلاج الدوائي يتم من خلال إعطاء الشخص المصاب بالوساواس أدوية تساعده على تهدئة أعصابه للتخلص من الخوف والقلق المستمر تجاه الفكره التي تسيطر على عقله أما العلاج السلوكي فيتم بعيداً عن الأدويه ويتم العلاج السلوكي من خلال بعض السلوكيات التي تساعد الفرد للعوده لوضعه الطبيعي والتخلص من الأفكار المسيطرع على عقله كالإبتعاد عن الوحده والعزله ومخالطة الآخرين بشكل مستمر والمواضبة على قرّاءة القان واللّوات الخم.
عانى كثير من مرضى الوسواس القهري من الأفكار التسلطية التى تقتحم تفكير المريض مع علمه بأنها أفكار سخيفة، ولكن لا يستطيع مقاومتها وغالبا ما يضطر إلى أداء طقوس حركية حتى يقلل من شعور التوتر والقلق الذى يشعر به الشخص حين تتسلط عليه الأفكار.
الوسواس القهري أحد الأمراض العصابية التي يعلم فيها المريض علم اليقين بعدم صحة أفكاره ويأتي المرض عادة في هيئة أفكار أو اندفاعات أو مخاوف، وقد يكون في هيئة طقوس حركية مستمرة أو دورية مع يقين المريض بتفاهة هذه الوساوس ولا معقوليتها، وعلمه الأكيد أنها لا تستحق منه هذا الاهتمام، ومحاولة المريض المستمرة لمقاومة هذه الوساوس وعدم الاستسلام. ولكن مع طول مدة المرض قد تضعف درجة مقاومته، وقد تترتب على إحساس المريض بسيطرة هذه الوساوس وقوتها القهرية مشاكلُ اجتماعية والآم نفسية وعقلية.
كما أن نسبة الإصابة بالوسواس القهري حوالي 2.5%، وترتفع في الذكور بنسبة 25% في سن الطفولة (قبل سن 15 سنة) ثم يتساوى الذكور والإناث بعد ذلك. ويظهر المرض بين سن 20 ـ 40 سنة، ويستمر من شهور إلى خمس سنوات قبل الذهاب إلى الطبيب النفسي، حيث أن معظم المرضى يعتبرون استشارة الطبيب دليل ضعف منهم.
محتويات [أظهر]
أسباب الوسواس القهري[عدل]
تشير الأبحاث إلى أن مرض الوسواس القهري يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والتركيبات الأكثر عمقًا للدماغ العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء علي البدء و التوقف عن الأفكار ,اما النظريات المركزية بشان العوامل المسببة المحتملة لاضطراب الوسواس القهري فتشمل:
-عوامل بيولوجية: تتوفر بعض الادلة التي تشير إلى ان اضطراب الوسواس القهري هو نتيجة لتغير كيماوي يحصل في جسم الشخص المصاب، او في اداء دماغه. كما أن هنالك ادلة على ان اضطراب الوسواس القهري قد يكون مرتبطا، أيضا، بعوامل جينية وراثية معينة، لكن لم يتم تحديد وتشخيص الجينات المسؤولة عن اضطراب الوسواس القهري، بعد.
-عوامل بيئية: يعتقد بعض الباحثين بان اضطراب الوسواس القهري ينتج عن عادات وتصرفات مكتسبة مع الوقت.
-درجة غير كافية من السيروتونين: السيروتونين (Serotonin) هو إحدى المواد الكيماوية الضرورية لعمل الدماغ. وإذا كان مستوى السيروتونين غير كاف واقل من اللازم، فمن المحتمل ان يسهم ذلك في نشوء اضطراب الوسواس القهري. وقد اظهرت أبحاث معينة اجريت خلالها مقارنات بين صور لأدمغة أشخاص مصابين باضطراب الوسواس القهري وبين أدمغة لأشخاص غير مصابين باضطراب الوسواس القهري، فرقا في نمط عمل الدماغ في كل من الحالتين. وعلاوة على ذلك، فقد تبين أن أعراض اضطراب الوسواس القهري تتقلص وتخف حدتها لدى الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري ويتعاطون أدوية ترفع من فاعلية السيروتونين.
-الجراثيم العقدية (Streptococcus) في الحنجرة: هنالك أبحاث تدعي بان اضطراب الوسواس القهري قد تطور لدى أطفال معينين عقب الإصابة بالتهاب الحنجرة (الحلق)، الناجم عن الجراثيم العقدية في الحنجرة. لكن الاراء انقسمت حول مصداقية هذه الأبحاث ومن الواجب تدعيمها بالمزيد من الدلائل حتى يتم الاقرار بان الجرثومة العقدية في الحنجرة يمكن ان تسبب، فعلا، اضطراب الوسواس القهري .
الأعراض والمضاعفات[عدل]
التأكد من الأشياء مرات ومرات مثل التأكد من إغلاق الأبواب والأقفال والمواقد.
القيام بعمليات الحساب بشكل مستمر “في السر” أو بشكل علني أثناء القيام بالأعمال الروتينية.
تكرار القيام بشيء ما عددًا معينًا من المرات. وأحد الأمثلة على ذلك قد تكون تكرار عدد مرات الاستحمام.
ترتيب الأشياء بشكل غاية في التنظيم والدقة إلى درجة الوسوسة .. بشكل غير ذي معنى لأي شخص سوى المصاب بالوسوسة.
الصور التي تظهر في الدماغ و تعلق في الذهن ساعات طويلة ..و عادة ما تكون هذه الصور ذات طبيعة مقلقة.
الكلمات أو الجمل غير ذات المعنى التي تتكرر بشكل مستمر في رأس الشخص.
التساؤل بشكل مستمر عن “ماذا لو”؟ …
تخزين الأشياء التي لا تبدو ذات قيمة كبيرة — كأن يقوم الشخص بجمع القطع الصغيرة من الفتل ونسالة الكتان من مجفف الثياب.و يقوم الشخص عادة بادخار هذه الأشياء في ظل إدراك يقول “ماذا لو احتجت هذه الأشياء في يوم ما؟” أو أنه لا يستطيع أن يقرر ما الذي يتخلى عنه؟
الخوف الزائد عن الحد من العدوى — كما في الخوف من لمس الأشياء العادية بسبب أنها قد تحوي جراثيم.
- الاستحمام والنظافة
- العد
- الفحص
- الحاجة إلى تعزيزات
- العودة على عمل معين عدة مرات
- النظام
وتشمل الأعراض المرتبطة بالتصرف القهري :
- غسل اليدين حتى يتقشر الجلد
- فحص متكرر للابواب للتاكد من انها مقفلة
- فحص متكرر للفرن للتاكد من انه مطفا
- العد والاحصاء بانماط معينة
كيفية العلاج من الوسواس القهري[عدل]
ثمة أدوية معينة لمعالجة الامراض النفسية يمكن ان تساعد في السيطرة على الوساوس والسلوكيات القهرية التي تميز اضطراب الوسواس القهري وغالبا ما يبدا علاج الوسواس القهري بمضادات الاكتئاب. فالأدوية المضادة للاكتئاب قد تفيد في علاج الوسواس القهري، لانها تعمل على رفع نسبة السيروتونين، التي قد تكون منخفضة لدى أشخاص يعانون من اضطراب الوسواس القهري .
مضادات الاكتئاب التي صادقت عليها ادارة الاغذية والأدوية الأمريكية (FDA - Food and Drug Administration) في علاج الوسواس القهري تشمل:
- كلوميبرامين (Clomipramine)
- فلوفوكسامين (Fluvoxamine)
- فلوؤكسيتين (Fluoxetine) (بروزاك - Prozac)
- باروكسيتين (Paroxetine) (باكسيل - Paxil)
- سيرترالين (Sertraline) (زولفوت - Zoloft)
العلاج البيئي والاجتماعي: يحتاج المريض أحيانا إلى تغيير مكان العمل والسكن حتى يبتعد عن مصدر الوساوس، خاصة إذا كانت له علاقة بالخوف من هذه الأمراض أو التلوث بالميكروبات.
ـ العلاج الكيميائي: تعين أحيانا العقاقير المضادة للقلق والاكتئاب والأدوية المساعدة في اختفاء التوتر والاكتئاب المصاحبين للوساوس، مما يجعل المريض قادرا على مقاومته راغبا في الاستمرار في نشاطه الاجتماعي، ومنها البروزاك.
ـ العلاج الكهربائي : وإن كان لا يفيد في حالات الاكتئاب الشديدة والأفكار السوداوية.
ـ العلاج السلوكي: وهو الأول في العلاج للوسواس القهري وخاصة في حالات المخاوف والطقوس القهرية إما بالتحصين البطيء أو التعرض المباشر ثم الامتناع.
ـ العلاج الجراحي: ويستعمل في الحالات المزمنة التي لا يفيد العلاج السلوكي أو الدوائي معها.
ـ العلاج التدعيمي ورفع الذات والثقة بالنفس: كثرة الاستغفار والدعاء واتباع الأساليب العلمية والطبية السليمة إضافة إلى طلب مشورة العلماء.
طرق علاج اضطرابات الوسواس القهري[عدل]
1- أوقف الفكرة الوسواسية: إذا هاجمتك الفكرة الوسواسية أوقفها ولا تسترسل بالتفكير فيها لأن الاستمرار يؤدى إلى أفعال قهرية وحزن وضيق وأنصحك بالقيام من مكانك وعمل أى شىء يصرف تفكيرك عن ما يدور في عقلك من أفكار ملحة كالحديث مع أحد أو القيام بعمل يستلزم التركيز به.
2- اعرف الفرق وأعد التسمية:
وهى أن تتعلم التمييز بين الأفكار الوساوسية المستحوذة على تفكيرك والتى تضطرك إلى عمل أفعال قهرية، والأفكار الواقعية فمثلا فكرة خروج ريح بالصلاة مما يترتب عليه إعادة الصلاة قد تكون فكرة صحيحة إذا سمعت صوتا أو هناك رائحة صدرت عنك، ولكن إذا لم تتوافر لها هذان الشرطان فليس هناك داع لإعادة الصلاة، ففكرة أن صلاتى غير صحيحة تكون فكرة وسواسية. فالتفرقة بين الأفكار وإعادة تسميتها يعتبر الهدف الأول للعلاج لرفع إدراك الواعى بأن هذه الأفكار المتطفلة إنما هى أعراض الوسواس القهري.
3- أعد التقييم: الإدراك العقلى بالأفكار الوسواسية يجعلك تردد كلما كلمة "هذه الفكرة هى مجرد وسواس"، كلما ألحت عليك الفكرة "هذا الإلحاح هو مجرد إلحاح قهري" مما يزيد من مقاومة الأفكار وتتولد قوة المراقبة في الداخلية والتى تعطى كل شخص القابلية لمعرفة الفرق بين ما هو حقيقى وما هو مرضى.
4- أعرف المرض: علاج المرض يبدأ بمعرفته الوسواس القهري مرض نفسى يتضمن خللا في الاتصال بين الجزء الأمامى من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والعقد العصبية العميقة التى تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار.
ويرتبط الاضطراب بنقص الناقل العصبى المعروف بالسيروتونين بشكل أساسى. الأفكار الوسواسية هى مجرد إشارات زائفة تأتى من المخ ولا تستطيع أن تتحكم فيه، والسلوك القهري هو رد الفعل لهذه الأفكار الملحة.
5- واجهة نفسك بحزم: واجه الوساوس في عقلك بطريقة حازمة، ابدأ بتسميتها بالأفكار المتطفلة ودرب نفسك للقول: "أنا أشعر أن يدى وسختين، إنما أعانى من وسواس أن يدى وسختين. "إذن لا داعى لغسيل اليدين لأن يدى نظيفتان وهذه أفكار متطفلة.
6- اقبل وجود الفكرة وعش معها: غالبا ما يرفض المريض وجود أى أفكار وسواسية في حياته وخصوصا بعد ما يصل إلى مرحلة واضحة من التحسن فيحاول التخلص من الأفكار الملحة الباقية وهنا يفضل أن يقبل الأفكار الملحة ويتعايش معها مع التأكيد أنها أفكار وسواسية لا أكثر ولا أقل مما يؤدى إلى علاج الوسواس القهري.
يعانى كثير من مرضى الوسواس القهرى من الأفكار التسلطية التى تقتحم تفكير المريض مع علمه بأنها أفكار سخيفة، ولكن لا يستطيع مقاومتها وغالبا ما يضطر إلى أداء طقوس حركية حتى يقلل من شعور التوتر والقلق الذى يشعر به الشخص حين تتسلط عليه الأفكار.
وعن أنواع الوساوس وكيفية التغلب عليها تقول الدكتورة هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس هناك أنواع كثيرة يعانى منها المريض مثل وساوس الصلاة والوضوء، والعيب فى الذات الإلهية ووساوس الطهارة والنظافة والتنظيم والترتيب ويحتاج المريض فى المقام الأول إلى العلاج الدوائى والسلوكى مع العلاج الذاتى، وهو جزء رئيسى، للعلاج يقوم بتعليم المريض كيفية التعامل مع الأفكار الوسواسية والطقوس الحركية بشكل يومى، وذلك عن طريق خطوات ست تعرف بالخطوات الذهبية وهى.
1- أوقف الفكرة الوسواسية: إذا هاجمتك الفكرة الوسواسية أوقفها ولا تسترسل بالتفكير فيها لأن الاستمرار يؤدى إلى أفعال قهرية وحزن وضيق وأنصحك بالقيام من مكانك وعمل أى شىء يصرف تفكيرك عن ما يدور فى عقلك من أفكار ملحة كالحديث مع أحد أو القيام بعمل يستلزم التركيز به.
-2 اعرف الفرق وأعد التسمية:
وهى أن تتعلم التمييز بين الأفكار الوساوسية المستحوذة على تفكيرك والتى تضطرك إلى عمل أفعال قهرية، والأفكار الواقعية فمثلا فكرة خروج ريح بالصلاة مما يترتب عليه إعادة الصلاة قد تكون فكرة صحيحة إذا سمعت صوتا أو هناك رائحة صدرت عنك، ولكن إذا لم تتوافر لها هذان الشرطان فليس هناك داع لإعادة الصلاة، ففكرة أن صلاتى غير صحيحة تكون فكرة وسواسية.
فالتفرقة بين الأفكار وإعادة تسميتها يعتبر الهدف الأول للعلاج لرفع إدراك الواعى بأن هذه الأفكار المتطفلة إنما هى أعراض الوسواس القهرى.
3- أعد التقييم: الإدراك العقلى بالأفكار الوسواسية يجعلك تردد كلما كلمة "هذه الفكرة هى مجرد وسواس"، كلما ألحت عليك الفكرة "هذا الإلحاح هو مجرد إلحاح قهرى" مما يزيد من مقاومة الأفكار وتتولد قوة المراقبة فى الداخلية والتى تعطى كل شخص القابلية لمعرفة الفرق بين ما هو حقيقى وما هو مرضى.
4- أعرف المرض: علاج المرض يبدأ بمعرفته الوسواس القهرى مرض نفسى يتضمن خللا فى الاتصال بين الجزء الأمامى من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والعقد العصبية العميقة التى تتحكم فى قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار.
ويرتبط الاضطراب بنقص الناقل العصبى المعروف بالسيروتونين بشكل أساسى. الأفكار الوسواسية هى مجرد إشارات زائفة تأتى من المخ ولا تستطيع أن تتحكم فيه، والسلوك القهرى هو رد الفعل لهذه الأفكار الملحة.
أقول هذا لأن كثيرا من المرضى يرجع هذا إلى ضعف الإيمان ويصاحبهم شعور بوخذ الضمير خصوصا فى مرضى الوساوس الدينية.
5- واجهة نفسك بحزم: واجه الوساوس فى عقلك بطريقة حازمة، ابدأ بتسميتها بالأفكار المتطفلة ودرب نفسك للقول: "أنا أشعر أن يدى وسختين، إنما أعانى من وسواس أن يدى وسختين. "إذن لا داعى لغسيل اليدين لأن يدى نظيفتان وهذه أفكار متطفلة.
6- اقبل وجود الفكرة وعش معها: غالبا ما يرفض المريض وجود أى أفكار وسواسية فى حياته وخصوصا بعد ما يصل إلى مرحلة واضحة من التحسن فيحاول التخلص من الأفكار الملحة الباقية وهنا يفضل أن يقبل الأفكار الملحة ويتعايش معها مع التأكيد أنها أفكار وسواسية لا أكثر ولا أقل.
يعرف الوسواسلغةً على أنه الصوت الخفيّ أو حديث النفس الداخل، ويعرف إصطلاحاً على أنه وسّوسة الشطان للإنسان في نفسهِ بأمرِ ما، والوسواس يعتبرُ من أحاديث النفس الداخلة للفرد وهذا لا يعني أن الحديث الداخلي لنفس الفرد هو مرض إنما يصبح الوسواس مرضاً إنّ تجاوز الحد الطبيعي للأحاديث والأفكار الباطنيّة بنفس الفرد.
ويعتبر الوسواس هو إعتقادالفرد وإيمانهِ بفكرة معينة تسيطر على عقله وذاتهِ وتكون هذه الفكرة قهرّية النوع أي لا يمكن إزالتها بسهولة فتسيطر عليهِ معظم الوقت لذلك أطلقَ على بعض أنواع الوساوس بالوسّاس القهر، ووالوسواس هو سيطرة فكرة ما على عقل فرد معين فتتردد هذهِ الفكرة بشكل مستمر في عقلهِ حيث يعتبر الوسواسإحدى أنواع الهوسّ وكل فرد قد يتعرض في فترة من حياتهِ لهوس ما أو فكرة تلاحقهُ بإستمرار ولكن تعتبر هذهِ حالة عرضية وبالتالي يصبح ما يسمى وواس مؤقت ناتج عن تأثير شيء ما أو فكرة على عقل الفرد لكثرة إنشغاله بها وخوفهِ من أمر ما ويعتبر هذا النوع وواس عابر حيث أن الوسواس هو عبارة عن مجموعة من الإندفاعات والأفكار والمخاوف المتكررة قد تلازمُ الفرد لفترة طويلة أو مؤقتة.
أعراض الوواس:-
الوسواس لا يعتبر مرضاً بحد ذاتهِ بل يصنف على أنه إحدى الحالات النفسة العابرة والتي تصيبُ الفرد نتيجةً لظروفٍ معينة، وأعراض الوسواس تتمثل بوسة في أعماق الفرد بفكرّة أو فعل ما يسيطر عليه كل الوقت ويسبب له المخاوف والقلق المستمر ومن أعراض الوسواسخوف الشخص المستمر من شيء ما بشكل كبير وحرصهُ على الإلتزام بروتين معين ،والشخص المصاب بالوسواس هو شخص تبدو عليه الإنطوائية فيصعب عليه التكيف والتعايش مع الآخرين بسهولة ويحرص على القيام بأعمالهِ بدقة متناهية ويركز على التفاصيل الصغيرة جدا كما أن الفرد الذي يعاني من الوسواسهو شخص يميل للشك بشكلٍ كبير ومستمر وكثير التذمر من الآخرين كما أنه يتصادم مع الآخرين بكثرة خصوصاً في حالات النقاش والحوار وتسيطر عليه دوماً أفكار إضطهادية.
أسباب الوسواس:-
كما ذكرنا سابقاً بأن الوسواسلا يعتبر مرضا بحد ذاته إنما هو نتيجة عرضية لعوامل معينة فقد يصيب الفرد نتيجة لعامل وراثي فقد تبين أنّ الأفراد الّذين يعانون من الوسواسيتعرض أطفالهم لنفس التجربة وقد لا يكون هناك عامل وراثي لكن الفرد يعاني من الوسواس ويعود ذلك نتيجه لنشوء الفرد ببيئة مفككة أسرياً أو نتيجة لتعرض الفرد بطفولتة إلى إضطرابات بتكوين شخصيتة والتعرض للإضطهاد المستمر،وفي حالات نادرة قد يكون نتيجة لإظطرابات فسيولوجية بعقل الفرد فيحدث خلل ما في الرسم الكهربائي للعقل البشري.
والوساوس أشكال وأنواع مختلفة فمنها :-
- وسّواس الصلاة: حيث يميل الفرد للشود كثيراً بالصلاة وتسيطر عليه فكرة عدم التركيز فيقوم بإعادة الصلاة مراراً وتكراراً ويلازمة الخوف بنسيان إحدى الركعات.
- وسواس الطهارة: في هذا النوع تسيطر على الفرد فكرة عدم طهارته أو وضوئه بالشكل الصحيح فيقوم بغسل أعضائهِ أثناء الوضوء بشكل مبالغ فيه.
- وسواس المرض: في هذه الحالة تسيطر على الفرد فكرة الخوف من المرض والعدوى من الآخرين.
علاج الوسّاس:-
يمكن علاج الوساس بعدة طرق سواء دوائيه أو سلوكيه، فالعلاج الدوائي يتم من خلال إعطاء الشخص المصاب بالوساواس أدوية تساعده على تهدئة أعصابه للتخلص من الخوف والقلق المستمر تجاه الفكره التي تسيطر على عقله أما العلاج السلوكي فيتم بعيداً عن الأدويه ويتم العلاج السلوكي من خلال بعض السلوكيات التي تساعد الفرد للعوده لوضعه الطبيعي والتخلص من الأفكار المسيطرع على عقله كالإبتعاد عن الوحده والعزله ومخالطة الآخرين بشكل مستمر والمواضبة على قرّاءة القان واللّوات الخم.
عانى كثير من مرضى الوسواس القهري من الأفكار التسلطية التى تقتحم تفكير المريض مع علمه بأنها أفكار سخيفة، ولكن لا يستطيع مقاومتها وغالبا ما يضطر إلى أداء طقوس حركية حتى يقلل من شعور التوتر والقلق الذى يشعر به الشخص حين تتسلط عليه الأفكار.
الوسواس القهري أحد الأمراض العصابية التي يعلم فيها المريض علم اليقين بعدم صحة أفكاره ويأتي المرض عادة في هيئة أفكار أو اندفاعات أو مخاوف، وقد يكون في هيئة طقوس حركية مستمرة أو دورية مع يقين المريض بتفاهة هذه الوساوس ولا معقوليتها، وعلمه الأكيد أنها لا تستحق منه هذا الاهتمام، ومحاولة المريض المستمرة لمقاومة هذه الوساوس وعدم الاستسلام. ولكن مع طول مدة المرض قد تضعف درجة مقاومته، وقد تترتب على إحساس المريض بسيطرة هذه الوساوس وقوتها القهرية مشاكلُ اجتماعية والآم نفسية وعقلية.
كما أن نسبة الإصابة بالوسواس القهري حوالي 2.5%، وترتفع في الذكور بنسبة 25% في سن الطفولة (قبل سن 15 سنة) ثم يتساوى الذكور والإناث بعد ذلك. ويظهر المرض بين سن 20 ـ 40 سنة، ويستمر من شهور إلى خمس سنوات قبل الذهاب إلى الطبيب النفسي، حيث أن معظم المرضى يعتبرون استشارة الطبيب دليل ضعف منهم.
محتويات [أظهر]
أسباب الوسواس القهري[عدل]
تشير الأبحاث إلى أن مرض الوسواس القهري يتضمن مشكلات في الاتصال بين الجزء الأمامي من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والتركيبات الأكثر عمقًا للدماغ العقد العصبية القاعدية التي تتحكم في قدرة المرء علي البدء و التوقف عن الأفكار ,اما النظريات المركزية بشان العوامل المسببة المحتملة لاضطراب الوسواس القهري فتشمل:
-عوامل بيولوجية: تتوفر بعض الادلة التي تشير إلى ان اضطراب الوسواس القهري هو نتيجة لتغير كيماوي يحصل في جسم الشخص المصاب، او في اداء دماغه. كما أن هنالك ادلة على ان اضطراب الوسواس القهري قد يكون مرتبطا، أيضا، بعوامل جينية وراثية معينة، لكن لم يتم تحديد وتشخيص الجينات المسؤولة عن اضطراب الوسواس القهري، بعد.
-عوامل بيئية: يعتقد بعض الباحثين بان اضطراب الوسواس القهري ينتج عن عادات وتصرفات مكتسبة مع الوقت.
-درجة غير كافية من السيروتونين: السيروتونين (Serotonin) هو إحدى المواد الكيماوية الضرورية لعمل الدماغ. وإذا كان مستوى السيروتونين غير كاف واقل من اللازم، فمن المحتمل ان يسهم ذلك في نشوء اضطراب الوسواس القهري. وقد اظهرت أبحاث معينة اجريت خلالها مقارنات بين صور لأدمغة أشخاص مصابين باضطراب الوسواس القهري وبين أدمغة لأشخاص غير مصابين باضطراب الوسواس القهري، فرقا في نمط عمل الدماغ في كل من الحالتين. وعلاوة على ذلك، فقد تبين أن أعراض اضطراب الوسواس القهري تتقلص وتخف حدتها لدى الأشخاص المصابين باضطراب الوسواس القهري ويتعاطون أدوية ترفع من فاعلية السيروتونين.
-الجراثيم العقدية (Streptococcus) في الحنجرة: هنالك أبحاث تدعي بان اضطراب الوسواس القهري قد تطور لدى أطفال معينين عقب الإصابة بالتهاب الحنجرة (الحلق)، الناجم عن الجراثيم العقدية في الحنجرة. لكن الاراء انقسمت حول مصداقية هذه الأبحاث ومن الواجب تدعيمها بالمزيد من الدلائل حتى يتم الاقرار بان الجرثومة العقدية في الحنجرة يمكن ان تسبب، فعلا، اضطراب الوسواس القهري .
الأعراض والمضاعفات[عدل]
التأكد من الأشياء مرات ومرات مثل التأكد من إغلاق الأبواب والأقفال والمواقد.
القيام بعمليات الحساب بشكل مستمر “في السر” أو بشكل علني أثناء القيام بالأعمال الروتينية.
تكرار القيام بشيء ما عددًا معينًا من المرات. وأحد الأمثلة على ذلك قد تكون تكرار عدد مرات الاستحمام.
ترتيب الأشياء بشكل غاية في التنظيم والدقة إلى درجة الوسوسة .. بشكل غير ذي معنى لأي شخص سوى المصاب بالوسوسة.
الصور التي تظهر في الدماغ و تعلق في الذهن ساعات طويلة ..و عادة ما تكون هذه الصور ذات طبيعة مقلقة.
الكلمات أو الجمل غير ذات المعنى التي تتكرر بشكل مستمر في رأس الشخص.
التساؤل بشكل مستمر عن “ماذا لو”؟ …
تخزين الأشياء التي لا تبدو ذات قيمة كبيرة — كأن يقوم الشخص بجمع القطع الصغيرة من الفتل ونسالة الكتان من مجفف الثياب.و يقوم الشخص عادة بادخار هذه الأشياء في ظل إدراك يقول “ماذا لو احتجت هذه الأشياء في يوم ما؟” أو أنه لا يستطيع أن يقرر ما الذي يتخلى عنه؟
الخوف الزائد عن الحد من العدوى — كما في الخوف من لمس الأشياء العادية بسبب أنها قد تحوي جراثيم.
- الاستحمام والنظافة
- العد
- الفحص
- الحاجة إلى تعزيزات
- العودة على عمل معين عدة مرات
- النظام
وتشمل الأعراض المرتبطة بالتصرف القهري :
- غسل اليدين حتى يتقشر الجلد
- فحص متكرر للابواب للتاكد من انها مقفلة
- فحص متكرر للفرن للتاكد من انه مطفا
- العد والاحصاء بانماط معينة
كيفية العلاج من الوسواس القهري[عدل]
ثمة أدوية معينة لمعالجة الامراض النفسية يمكن ان تساعد في السيطرة على الوساوس والسلوكيات القهرية التي تميز اضطراب الوسواس القهري وغالبا ما يبدا علاج الوسواس القهري بمضادات الاكتئاب. فالأدوية المضادة للاكتئاب قد تفيد في علاج الوسواس القهري، لانها تعمل على رفع نسبة السيروتونين، التي قد تكون منخفضة لدى أشخاص يعانون من اضطراب الوسواس القهري .
مضادات الاكتئاب التي صادقت عليها ادارة الاغذية والأدوية الأمريكية (FDA - Food and Drug Administration) في علاج الوسواس القهري تشمل:
- كلوميبرامين (Clomipramine)
- فلوفوكسامين (Fluvoxamine)
- فلوؤكسيتين (Fluoxetine) (بروزاك - Prozac)
- باروكسيتين (Paroxetine) (باكسيل - Paxil)
- سيرترالين (Sertraline) (زولفوت - Zoloft)
العلاج البيئي والاجتماعي: يحتاج المريض أحيانا إلى تغيير مكان العمل والسكن حتى يبتعد عن مصدر الوساوس، خاصة إذا كانت له علاقة بالخوف من هذه الأمراض أو التلوث بالميكروبات.
ـ العلاج الكيميائي: تعين أحيانا العقاقير المضادة للقلق والاكتئاب والأدوية المساعدة في اختفاء التوتر والاكتئاب المصاحبين للوساوس، مما يجعل المريض قادرا على مقاومته راغبا في الاستمرار في نشاطه الاجتماعي، ومنها البروزاك.
ـ العلاج الكهربائي : وإن كان لا يفيد في حالات الاكتئاب الشديدة والأفكار السوداوية.
ـ العلاج السلوكي: وهو الأول في العلاج للوسواس القهري وخاصة في حالات المخاوف والطقوس القهرية إما بالتحصين البطيء أو التعرض المباشر ثم الامتناع.
ـ العلاج الجراحي: ويستعمل في الحالات المزمنة التي لا يفيد العلاج السلوكي أو الدوائي معها.
ـ العلاج التدعيمي ورفع الذات والثقة بالنفس: كثرة الاستغفار والدعاء واتباع الأساليب العلمية والطبية السليمة إضافة إلى طلب مشورة العلماء.
طرق علاج اضطرابات الوسواس القهري[عدل]
1- أوقف الفكرة الوسواسية: إذا هاجمتك الفكرة الوسواسية أوقفها ولا تسترسل بالتفكير فيها لأن الاستمرار يؤدى إلى أفعال قهرية وحزن وضيق وأنصحك بالقيام من مكانك وعمل أى شىء يصرف تفكيرك عن ما يدور في عقلك من أفكار ملحة كالحديث مع أحد أو القيام بعمل يستلزم التركيز به.
2- اعرف الفرق وأعد التسمية:
وهى أن تتعلم التمييز بين الأفكار الوساوسية المستحوذة على تفكيرك والتى تضطرك إلى عمل أفعال قهرية، والأفكار الواقعية فمثلا فكرة خروج ريح بالصلاة مما يترتب عليه إعادة الصلاة قد تكون فكرة صحيحة إذا سمعت صوتا أو هناك رائحة صدرت عنك، ولكن إذا لم تتوافر لها هذان الشرطان فليس هناك داع لإعادة الصلاة، ففكرة أن صلاتى غير صحيحة تكون فكرة وسواسية. فالتفرقة بين الأفكار وإعادة تسميتها يعتبر الهدف الأول للعلاج لرفع إدراك الواعى بأن هذه الأفكار المتطفلة إنما هى أعراض الوسواس القهري.
3- أعد التقييم: الإدراك العقلى بالأفكار الوسواسية يجعلك تردد كلما كلمة "هذه الفكرة هى مجرد وسواس"، كلما ألحت عليك الفكرة "هذا الإلحاح هو مجرد إلحاح قهري" مما يزيد من مقاومة الأفكار وتتولد قوة المراقبة في الداخلية والتى تعطى كل شخص القابلية لمعرفة الفرق بين ما هو حقيقى وما هو مرضى.
4- أعرف المرض: علاج المرض يبدأ بمعرفته الوسواس القهري مرض نفسى يتضمن خللا في الاتصال بين الجزء الأمامى من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والعقد العصبية العميقة التى تتحكم في قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار.
ويرتبط الاضطراب بنقص الناقل العصبى المعروف بالسيروتونين بشكل أساسى. الأفكار الوسواسية هى مجرد إشارات زائفة تأتى من المخ ولا تستطيع أن تتحكم فيه، والسلوك القهري هو رد الفعل لهذه الأفكار الملحة.
5- واجهة نفسك بحزم: واجه الوساوس في عقلك بطريقة حازمة، ابدأ بتسميتها بالأفكار المتطفلة ودرب نفسك للقول: "أنا أشعر أن يدى وسختين، إنما أعانى من وسواس أن يدى وسختين. "إذن لا داعى لغسيل اليدين لأن يدى نظيفتان وهذه أفكار متطفلة.
6- اقبل وجود الفكرة وعش معها: غالبا ما يرفض المريض وجود أى أفكار وسواسية في حياته وخصوصا بعد ما يصل إلى مرحلة واضحة من التحسن فيحاول التخلص من الأفكار الملحة الباقية وهنا يفضل أن يقبل الأفكار الملحة ويتعايش معها مع التأكيد أنها أفكار وسواسية لا أكثر ولا أقل مما يؤدى إلى علاج الوسواس القهري.
يعانى كثير من مرضى الوسواس القهرى من الأفكار التسلطية التى تقتحم تفكير المريض مع علمه بأنها أفكار سخيفة، ولكن لا يستطيع مقاومتها وغالبا ما يضطر إلى أداء طقوس حركية حتى يقلل من شعور التوتر والقلق الذى يشعر به الشخص حين تتسلط عليه الأفكار.
وعن أنواع الوساوس وكيفية التغلب عليها تقول الدكتورة هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس هناك أنواع كثيرة يعانى منها المريض مثل وساوس الصلاة والوضوء، والعيب فى الذات الإلهية ووساوس الطهارة والنظافة والتنظيم والترتيب ويحتاج المريض فى المقام الأول إلى العلاج الدوائى والسلوكى مع العلاج الذاتى، وهو جزء رئيسى، للعلاج يقوم بتعليم المريض كيفية التعامل مع الأفكار الوسواسية والطقوس الحركية بشكل يومى، وذلك عن طريق خطوات ست تعرف بالخطوات الذهبية وهى.
1- أوقف الفكرة الوسواسية: إذا هاجمتك الفكرة الوسواسية أوقفها ولا تسترسل بالتفكير فيها لأن الاستمرار يؤدى إلى أفعال قهرية وحزن وضيق وأنصحك بالقيام من مكانك وعمل أى شىء يصرف تفكيرك عن ما يدور فى عقلك من أفكار ملحة كالحديث مع أحد أو القيام بعمل يستلزم التركيز به.
-2 اعرف الفرق وأعد التسمية:
وهى أن تتعلم التمييز بين الأفكار الوساوسية المستحوذة على تفكيرك والتى تضطرك إلى عمل أفعال قهرية، والأفكار الواقعية فمثلا فكرة خروج ريح بالصلاة مما يترتب عليه إعادة الصلاة قد تكون فكرة صحيحة إذا سمعت صوتا أو هناك رائحة صدرت عنك، ولكن إذا لم تتوافر لها هذان الشرطان فليس هناك داع لإعادة الصلاة، ففكرة أن صلاتى غير صحيحة تكون فكرة وسواسية.
فالتفرقة بين الأفكار وإعادة تسميتها يعتبر الهدف الأول للعلاج لرفع إدراك الواعى بأن هذه الأفكار المتطفلة إنما هى أعراض الوسواس القهرى.
3- أعد التقييم: الإدراك العقلى بالأفكار الوسواسية يجعلك تردد كلما كلمة "هذه الفكرة هى مجرد وسواس"، كلما ألحت عليك الفكرة "هذا الإلحاح هو مجرد إلحاح قهرى" مما يزيد من مقاومة الأفكار وتتولد قوة المراقبة فى الداخلية والتى تعطى كل شخص القابلية لمعرفة الفرق بين ما هو حقيقى وما هو مرضى.
4- أعرف المرض: علاج المرض يبدأ بمعرفته الوسواس القهرى مرض نفسى يتضمن خللا فى الاتصال بين الجزء الأمامى من المخ (المسئول عن الإحساس بالخوف والخطر) والعقد العصبية العميقة التى تتحكم فى قدرة المرء على البدء والتوقف عن الأفكار.
ويرتبط الاضطراب بنقص الناقل العصبى المعروف بالسيروتونين بشكل أساسى. الأفكار الوسواسية هى مجرد إشارات زائفة تأتى من المخ ولا تستطيع أن تتحكم فيه، والسلوك القهرى هو رد الفعل لهذه الأفكار الملحة.
أقول هذا لأن كثيرا من المرضى يرجع هذا إلى ضعف الإيمان ويصاحبهم شعور بوخذ الضمير خصوصا فى مرضى الوساوس الدينية.
5- واجهة نفسك بحزم: واجه الوساوس فى عقلك بطريقة حازمة، ابدأ بتسميتها بالأفكار المتطفلة ودرب نفسك للقول: "أنا أشعر أن يدى وسختين، إنما أعانى من وسواس أن يدى وسختين. "إذن لا داعى لغسيل اليدين لأن يدى نظيفتان وهذه أفكار متطفلة.
6- اقبل وجود الفكرة وعش معها: غالبا ما يرفض المريض وجود أى أفكار وسواسية فى حياته وخصوصا بعد ما يصل إلى مرحلة واضحة من التحسن فيحاول التخلص من الأفكار الملحة الباقية وهنا يفضل أن يقبل الأفكار الملحة ويتعايش معها مع التأكيد أنها أفكار وسواسية لا أكثر ولا أقل.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)