y

الاثنين، 23 يناير 2017

ما هو الطور

الطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته، ما هو من آيات الله العظيمة،ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن.

وقيل أيضاً: عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ شَكَوْت إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ " طُوفِي مِنْ وَرَاء النَّاس وَأَنْتِ رَاكِبَة " فَطُفْت وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جَنْب الْبَيْت يَقْرَأ بِالطُّورِ وَكِتَاب مَسْطُور .

يُقْسِم تَعَالَى بِمَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته الْعَظِيمَة أَنَّ عَذَابه وَاقِع بِأَعْدَائِهِ وَأَنَّهُ لَا دَافِع لَهُ عَنْهُمْ فَالطُّور هُوَ الْجَبَل الَّذِي يَكُون فِيهِ أَشْجَار مِثْل الَّذِي كَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى وَأَرْسَلَ مِنْهُ عِيسَى وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَجَر لَا يُسَمَّى طُورًا إِنَّمَا يُقَال لَهُ جَبَل .

يقول تعالى:

(وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ) المؤمنون- 20.
(وَطُورِ سِينِينَ) التين- 2.



من كتب التفسير:


الطبرى ـ باب 20 ـ جزء 19 : حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل بالشام مبارك.
وقال آخرون: معناه: حسن.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل حسن.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) الطور: الجبل بالنبطية، وسيناء، حسنة بالنبطية.
وقال آخرون: هو اسم جبل معروف.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قوله:( مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: الجبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم.
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:( طُورِ سَيْنَاءَ ) قال: هو جبل الطور الذي بالشام، جبل ببيت المقدس، قال: ممدود، هو بين مصر وبين أيلة.
وقال آخرون: معناه: أنه جبل ذو شجر.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عمن قاله.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن سيناء اسم أضيف إليه الطور يعرف به، كما قيل : جبلا طيئ، فأضيفا إلى طيئ، ولو كان القول في ذلك كما قال من قال : معناه : جبل مبارك، أو كما قال من قال : معناه حسن، لكان الطور منوّنا، وكان قوله سيناء من نعته، على أن سيناء بمعنى: مبارك وحسن، غير معروف في كلام العرب ، فيجعل ذلك من نعت الجبل، ولكن القول في ذلك إن شاء الله كما قال ابن عباس، من أنه جبل عرف بذلك، وأنه الحبل الذي نودي منه موسى صلى الله عليه وسلم ، وهو مع ذلك مبارك، لا أن معنى سيناء: معنى مبارك.


ابن كثير ـ باب 18 ـ جزء 5 : قوله: { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } يعني: الزيتونة. والطور: هو الجبل. وقال بعضهم: إنما يسمى طورا إذا كان فيه شجر، فإن عَرى عنها سمي جَبَلا لا طورًا، والله أعلم. وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الذي كَلَّم [الله] عليه موسى بن عمران، عليه السلام، وما حوله من الجبال التي فيها شجر الزيتون.



ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : { وَالزَّيْتُونِ } قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهد، وعكرمة: هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{ وَطُورِ سِينِينَ } قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{ وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ } يعني: مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن، وإبراهيم النَّخَعِي، وابن زيد، وكعب الأحبار. ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمة: هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
ابن كثير ـ باب 1 ـ جزء 8 : قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلم الله عليه موسى [بن عمران] -وأشرق من سَاعيرَ -يعني بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى-واستعلن من جبال فاران -يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا-فذكرهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما.

القرطبى ـ باب (جزء 12) ـ جزء 12 : (من طور سيناء) أي أنبتها الله في الاصل من هذا الجبل الذى بارك الله فيه.
وطور سيناء من أرض الشام وهو الجبل الذى كلم الله عليه موسى عليه السلام، قاله ابن عباس وغيره، وقد تقدم في البقرة والاعراف.
والطور الجبل في كلام العرب.



البغوى ـ باب 19 ـ جزء 5 : { وَشَجَرَةً } أي: وأنشأنا لكم شجرة { تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ } وهي الزيتون، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو "سيناء" بكسر السين. وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في معناه وفي "سينين" في قوله تعالى: "وطور سينين" (التين -2) قال مجاهد: معناه البركة، أي: من جبل مبارك. وقال قتادة: معناه الحسن، أي: من الجبل الحسن. وقال الضحاك: هو بالنبطية، ومعناه الحسن. وقال عكرمة: هو بالحبشية. وقال الكلبي: معناه الشجر، أي: جبل ذو شجر. وقيل: هو بالسريانية الملتفة بالأشجار. وقال مقاتل: كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سينا، وسينين بلغة النبط. وقيل: هو فيعال من السناء وهو الارتفاع. قال ابن زيد: هو الجبل الذي نودي منه موسى بين مصر وأيلة. وقال مجاهد: سينا اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده. وقال عكرمة: هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل.


الألوسى ـ باب 20 ـ جزء 13 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل موسى عليه السلام الذي ناجى ربه سبحانه عنده وهو بين مصر وابلة ، ويقال لها اليوم العقبة ، وقيل بفلسطين من أرض الشام ، ويقال له طور سينين ، وجمهور العرب على فتح سين سيناء والمد . وبذلك قرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . ويعقوب . وأكثر السبعة وهو اسم للبقعة . والطور اسم للجبل المخصوص أو لكل جبل وهو مضاف إلى { سَيْنَاء } كما أجمعوا عليه . ويقصد تنكيره على الأول كما في سائر الأعلام إذا أضيفت ، وعلى الثاني يكون طور سيناء كمنارة المسجد .
وجوز أن يكون كامرىء القيس بمعنى أنه جعل مجموع المضاف والمضاف إليه علماً على ذلك العلم ، وقيل سيناء اسم لحجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده . وروي هذا عن مجاهد . وفي الصحاح طور سيناء جبل بالشام وهو طور أضيف إلى سيناء وهو شجر . وقيل هو اسم الجبل . والإضافة من إضافة العام إلى الخاص كما في جبل أحد .
وحكى هذا القول في البحر عن الجمهور لكن صحح القول بأنه اسم البقعة وهو ممنوع من الصرف للألف الممدودة فوزنه فعلاء كصحراء ، وقيل : منع من الصرف للعلمية والعجمة ، وقيل : للعلمية والتأنيث بتأويل البقعة ووزنه فيعال لا فعلال إذ لا يوجد هذا الوزن في غير المضاعف في كلام العرب إلا نادراً كخزعال لظلع الإبل حكاه الفراء ولم يثبته أبو البقاء ، والأكثرون على أنه ليس بعربي بل هو أمانبطي أو حبشي واصل معناه الحسن أو المبارك ، وجوز بعض أن يكون عربياً من السناء بالمد وهو الرفعة أو السنا بالقصر وهو النور .

الألوسى ـ باب 118 ـ جزء 13 : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } إشارة إلى النور الذي يشرق من طور القلب بواسطة ما حصل له من التجلي الإلهي.



الألوسى ـ باب 1 ـ جزء 19 : بسْم الله الرحمن الرَّحيم { يُوعَدُونَ والطور } الطور اسم لكل جبل على ما قيل : في اللغة العربية عند الجمهور ، وفي اللغة السريانية عند بعض ، ورواه ابن المنذر . وابن جرير عن مجاهد ، والمراد به هنا { طُورِ * سِينِينَ } الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عنده ، ويقال له : طور سيناء أيضاً ، والمعروف اليوم بذلك ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة ، وقال أبو حيان في تفسير سورة { والتين } [ التين : 1 ] : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسلام ، وقال في تفسيره : هذه السورة في الشام جبل يسمى الطور وهو طور سيناء فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله سبحانه به لفضله على الجبال ، قيل : وهو الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام انتهى فلا تغفل ، وحكى الراغب أنه جبل محيط بالأرض ولا يصح عندي ، وقيل : جبل من جبال الجنة ، وروى فيه ابن مردويه عن أبي هريرة ، وعن كثير بن عبد الله حديثاً مرفوعاً ولا أظن صحته ، واستظهر أبو حيان أن المراد الجنس لا جبل معين ، وروى ذلك عن مجاهد . والكلبي ، والذي أعول عليه ما قدمته .




البحر المحيط ـ باب 142 ـ جزء 4 : { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } تقدّم ما المعنى بالطور . وفي الشام جبل عرف بالطور ولزمه هذا الاسم ، وهو طور سيناء . وليس هو المرفوع على بني إسرائيل ، لأن رفع الجبل كان فيما يلي التيه من جهة ديار مصر وهم ناهضون مع موسى عليه السلام ، وتقدمت قصة رفع الطور في البقرة .


البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : الطور : الجبل ، والظاهر أنه اسم جنس ، لا جبل معين ، وفي الشأم جبل يسمى الطور ، وهو طور سيناء . فقال نوف البكالي : إنه الذي أقسم الله به لفضله على الجبال . قيل : وهو الذي كلم الله عليه موسى ، عليه الصلاة والسلام .

البحر المحيط ـ باب 1 ـ جزء 10 : ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام ، وهو الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه . ومعنى { سينين } : ذو الشجر . وقال عكرمة : حسن مبارك .



فتح القدير ـ باب 12 ـ جزء 5 : { تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء } وهو جبل ببيت المقدّس ، والطور الجبل في كلام العرب . وقيل : هو مما عرّب من كلام العجم . واختلف في معنى سيناء فقيل : هو الحسن . وقيل : هو المبارك ، وذهب الجمهور إلى أنه اسم للجبل كما تقول : جبل أحد . وقيل : سيناء حجر بعينه أضيف الجبل إليه لوجوده عنده . وقيل : هو كلّ جبل يحمل الثمار . وقرأ الكوفيون : { سيناء } بفتح السين ، وقرأ الباقون بكسر السين ، ولم يصرف لأنه جعل اسماً للبقعة ، وزعم الأخفش أنه أعجمي .

تصحيح (طور سينين) " والتين والزيتون‏ .‏ وطور سينين ‏.‏ وهذا البلد الأمين"
طور سيناء من أرض الشام، وهو الجبل الذي كلّم الله عليه موسى عليه السلام، وقيل: هو جبل بيت المقدس الممدود من مصر إلى أيلة. وكل جبل يحمل الثمار فهو سيناء، لأن معنى سيناء: حسن ( بلغة أهل الحبشة ) وقد أشاد الله تعالى بشجرة الزيتون وثمرها، لامتيازها عن كثير من أنواع الأشجار والثمار الأخرى، فشجرة الزيتون معمَّرة، ولا تحتاج إلى كثير عناية من السقي والحرث وغير ذلك.

والزيتون يعصر ويستخرج منه زيت من أفضل زيوت الدنيا علاجاً وطعاماً وبركة.

فالشجرة تنبت جناها وهو الزيتون وبه الدهن أي الزيت. وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالائتدام بزيت الزيتون والإدهان به " فإنه طيِّب مبارك يخرج من شجرةٍ مباركة " وقد خص الطور بالزيتون، لجامع البركة بينهما، ولكونه مما يزرع حوله.

طور سينــــاء هو طور سينين، الذي في سيناء، هذا ما قاله العلماء.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد : ــ

قال ابن كثير رحمه الله – تعالى - في تفسير قول الله - تعالى : {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [سورة المؤمنون : 20].

[والشجرة : يعني الزيتونة.
والطور : هو الجبل.
وقال بعضهم : إنما يُسمى طورًا إذا كان فيه شجر، فإن عُرّيَ عنها سُمِّيَ جبلاً لا طورًا، والله أعلم.

وطور سيناء هو طور سينين، وهو الجبل الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام، وما حوله منَ الجبال التي فيها شجر الزيتون ...]. ا. هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم - 3/ 326].

وقال في موضعٍ آخر : [ قال بعض الأئمـــــة : هذه محالٌّ ثلاثـــــة، بعث الله في كل واحدٍ منها نبيــّـــًا مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار :
فالأول : محله التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم عليه السلام -.
والثاني : طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -.
والثالث : مكــــة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمِنـــًا، وهو الذي أرْسلَ الله منها محمــــدًا - صلى الله عليه وسلم - فذكرهم مُخبِرًا عنهم على الترتيب الوجودي، بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثمّ الأشرف منه، ثمّ بالأشرفِ منهما]. ا . هـ. انظر : [تفسير القرآن العظيم 4/ 681].

وفي شرقي مدينة القدس في فلسطين – رَدّها الله إلى المسلمين رَدًا جميلا – يوجد جبلٌ اسمه " جبل الطور "، وهو مِن أعلى جبالها، ويُسمى " بجبل الزيتون " .

وقد ورد ذِكر طور بيت المقدس في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – الطويل، الذي ذكر فيه الدجال، ونزول عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – وذكر فيه يأجوج ومأجوج حيث أمره أن يحترز وأصحابه منهم على الطور في القدس، وهو قريب من اللّدّ حيث يقتل عيسى بن مريم – عليه الصلاة والسلام – الدجال. وذلك بقوله : (..... فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعًا كفيهِ على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يَحِلّ لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، وَنَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبُهُ حتى يُدْرِكُهُ بباب لُدٍّ فيقتله، ثم يأتي عيسى قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى : إني أخرجت عبادًا لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرةً ماء، ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما، وَيُحْصَرْ نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبيّ الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض *، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله - عز وجل -، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله قطرًا لا يكنّ منه بيت مدرٍ ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة .......) (صحيح) رواه : (أحمد ومسلم والترمذي). عن النواس بن سمعان – رضي الله عنه - . انظر : [صحيح الجامع رقم: 4166].

* ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض : أي : يهبطون من جبل الطور بعد الحصار عليه إلى الأرض.

وطور بيت المقدس الذي يتحرّز عليه نبي الله عيسى وأصحابه من قوم يأجوج ومأجوج، هو غير طور سينين، الذي في سيناء، والذي كلّمَ الله عليه موسى بن عمران – عليه الصلاة والسلام -. وذلك لما تقدّمَ وما يأتي من أدلـــة - إن شاء الله تعالى -.

إذ أنّ طور سيناء جبل مبارك في سيناء، من أطراف بلاد الشام الجنوبية الغربية المباركة. والوادي المقدس طوى إلى جانبه، ومنه انطلقت نبوّة موسى - عليه الصلاة والسلام - ودعوته، كما جاء في كثير من الأدلة في كتاب الله العزيز والسنة النبوية المطهّرة.
ولسيناء موقع جغرافي هام، حيث أنها تُعدّ رابطة اتصال بين مصر والشام، بل بين آسيا وأفريقيا.
وضُمّتْ سينـــاء إلى مصر ضمن تشكيلاتٍ إدارية للدولة العثمانيــــة، وذلك في عهد محمـــد علي رحمه الله - تعالى - عام 1810 م.

وفي جنوبي مدينة نابلس في فلسطين، يوجد أيضًا"جبل الطور " ويسمى " بجبل جرزيم "، أو " جبل البركـــة "، أو " جبل الفرائض ". وفيه تسكن الطائفة السامرية من اليهود ويعتبرونه قبلتهم.

هذا ما أعلمه، وقد تكون جبالٌ أخرى تحمل هذا الاسم غيرها، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بها.

سمى الله – تبارك وتعالى – سورةً في كتابه العزيز باسم الطور، وأقسم - سبحانه وتعالى – بالطور فيها، وله – جلّ في عُلاه - أن يقسِمَ بما شاء مِن مخلوقاته الدالة على عظيم قدرته.

قال الله - تعالى : {وَالطُّورِ ۞ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ۞ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} . [سورة الطور 1 - 3].

وأقسم بطور سينين في سورة التين وذلك بقوله – سبحانه - :{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۞ وَطُورِ سِينِينَ ۞ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} [سورة التين 1 - 3].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله – تعالى – في تفسير هذه الآيات الكريـمـــــة :

[والتين] : هو التين المعروف وكذلك [الزيتون].

أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محلّ نبوةِ عيسى بن مريم – عليه السلام -.
[وطور سينين] أي : طور سيناء، محلّ نبوّة موسى – عليه السلام.
[وهذا البلد الأمين] : وهو مكـــــة المكرمـــــة، محلّ نبوّةِ محمد - صلى الله عليه وسلم –.

فأقسَمَ – تعالى – بهذه المواضع المُقدّسة التي اختارها، وابتعث منها أفضل الأنبياء وأشرفهم.

والمُقسَم عليه قوله : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ....] ا . هـ. انظر : [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 5/ 433].

وعن جنادة بن أبي أميّة الدوْسيّ قال : دخلتُ أنا وصاحبٍ لي على رجلٍ مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فقلنا حدثنا ما سمعتَ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولا تُحدّثنا عن غيره، وإن كان عندَكَ مُصَدَّقا. قال : نعم، قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ذات يومٍ فقال : (أُنْذِرْكُمُ الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبيٌّ إلا وقد أنذرهُ أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة، وإنه جعدٌ آدمُ ممسوحُ العين اليسرى، وإن معه جنةً ونارًا، فناره جنة، وجنته نار، وإن معه نهر ماءٍ وجبلُ خبز، وإنه يُسَلطُ على نفسٍ فيقتلها ثم يحييها، لايسلطُ على غيرها، وإنه يُمْطِرِ السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحًا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يَقْرُبُ أربعة مساجِد : مسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد المقدس، والطور، وما شُبّهَ عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور، مرتين) انظر: [السلسلة الصحيحة 6/ 1046 رقم 2934].

وهذا يدل أيضًا على أن مسجد المقدس غير الطور الذي في سيناء، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أثبت في الحديث الشريف أن كل واحدٍ منهما باسمه لا يدخله الدجال.

ثمّ إن الرّحالَ تُشَدَّ إلى المساجد الثلاثة : المسجد الحرام، ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم – في المدينة، والمسجد الأقصى في بيت المقدس، وعلى ذلك يستثنى من الحديث الشريف " الطور " : في سيناء، فإنه لا تشدّ الرحال إليه.

ففي الصحيحين قال رسول - صلى الله عليه وسلم – : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الاقصى) (متفق عليه). أخرجه البخاري (1/ 299) ومسلم (4/ 126).

ولحديث أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة - رضي الله عنه - وهو جاءٍ من الطور، فقال : من أين أقبلت ؟ قال : من الطور، صليت فيه، قال : أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى). أخرجه الطيالسي (1348، 2506) وأحمد (6/ 7).

قال شيخنا الألباني – رحمه الله تعالى - في التعليق على الحديث : [والحديث عامّ يشمل المساجد وغيرها من المواطن التي تقصد لذاتها، أو لفضل يُدعى فيها، ألا ترى أن أبا بصرة - رضي الله عنه - قد أنكر على أبي هريرة - رضي الله عنه - سفره إلى الطور، وليس هو مسجدًا يُصلى فيه، وانما هو جبلٌ كلم الله فيه موسى - عليه السلام - فهو جبلُ مبارك، ومع ذلك أنكر أبو بصرة السفر إليه ...]. انظر : [إرواء الغليل 4/ 143 رقم 970].

وقال رحمه الله – تعالى - في موضعٍ آخر : [هذا، ولا بأس من أن أنقل إليك ما ذكره وليّ الله الدّهلوي في مسألة شدّ الرحال، لأنه لا يخلو من فائدة جديدة، قال - رحمه الله - في (الحجة البالغة) (1/ 192) :

[كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع مُعَظّّمَةً بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريفِ والفسادِ ما لا يخفى، فََسَدََّ - صلى الله عليه وسلم - الفسادَ، لئلا يُلحَقَ غيرُ الشّعائر بالشّعائر، ولئلا يصيرَ ذريعةً لعبادةِ غير الله.
والحقّ عِندي أن القبر، ومحلّ عبادةِ وَليٍٍّ من الأولياء، والطور، كل ذلك سواءٌ في النهي ...)] ا . هـ. انظر : [الثمر المُستطاب 2/ 567].

ولا يكفيهِ دليلاً قولُ من قال : [بأن طور سينين أو طور سيناء هو الذي في بيت المقدس، وليس الذي في سيناء، لأن بيت المقدس أرض مباركة، وليس الأمر كذلك في سيناء]. ا. هـ.

وذلك لأن قُدسيةَ بيت المقدس – ردّّها الله إلى المسلمين ردًا جميلا - لا تُنافي ولا تمنع مِن أن يكون الوادي المقدس طوى في سيناء، أو في غيرهما أيضًا مُقدّسا، فقد ثبت في الحديث المتفق عليه أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - جاء للنبيّ - صلى الله عليه وسلم – بأمرٍ من ربه – سبحانه وتعالى – وأمره أن يصلي في وادي العقيق، وهو في منطقة ذي الحليفة، أو ما يُسميه البعض ابيار علي، التي يُحْرِمُ منها الحجيجُ القادمون من المدينة إلى مكـــة، فالصلاة فيها تعظيمًا لقدسية المكان وبركته، وليست سُنة إحرامٍ كما يظنّ الكثيرون، إلا إذا وافقت وقت صلاة.

فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال : قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بوادي العقيق يقول : (أتاني الليلة آت من ربي فقال : صلّ في هذا الوادي المبارك، وقل : عُمْرَةٌ في حجة). وفي رواية : (قل عمرة وحجة). (صحيح) رواه (البخاري ومسلم).

فبيت المقدس أرض مباركة، ووادي العقيق في ذي الحليفة أرض مباركة، والوادي المقدّس طُوى في سيناء أرض مباركة، مرّ به موسى عليه الصلاة والسلام – في طريق عودته من مِديَن إلى مصر، وبشره الله - تبارك وتعالى - باختياره نبيًا رسولاً إلى فرعون وإلى بني إسرائيل، وكلّمـــهُ كلامًا يليقُ بجلاله، بلا وساطة وحيٍ، وهذه كرامة من الله - تعالى - لنبي الله موسى - عليه الصلاة والسلام -.

قال الله – تعالى - مُخاطِبًا رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - : {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ۞ إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ۞ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى ۞ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى ۞ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ۞ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [سورة طه : 11 - 14].

هذه أقوال العلماء بالأدلة القائمـــــة على الكتاب والسنة، فمن قال بأن الطور المقصود في الآية الكريمة : {وَطُورِ سِينِينَ} هو طور بيت المقدس، فعليه أن يأتي بالحجــــة القائمـــــة على الدليل الشرعي الصحيح.

إذ لا يستقيم الأخذ بالرأي والهوى، والقياس العقلي، والإعراض عن الأدلة، وتفاسير العلماء الراسخين في العلم، فالله – سبحانه وتعالى - أعلم بالبلاد كيف كانت في تلك الحقبة من التاريخ، وما تعرضت له من عوامل بيئية - بإذن ربها - منذ آلاف السنين، وما تعاقبت عليها مِن أمم، وسادت حضارات ثمّ بادت، فلا تُقارنُ ولا يُحكم عليها، مقياسًا لما هي عليه الآن في زماننا.

ورحم الله – تعالى – ابن القيّم إذ قال : [ونحن نرى أنه كلما اشتد تَوَغّلَ الرجل في القياس، اشتدتْ مُخالفتُهُ للسنن، ولا نرى خلاف السنن والآثار عند أصحاب الرأي والقياس، فلله كم من سُنةٍ صحيحةٍ صريحةٍ قد عُطّلَتْ به، وكم مِن أثََرٍ دَرَسَ حُكْمُهُ بسببه.

فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية على عروشها، مُعَطلةٌ أحكامُها، مَعزولةٌ عن سلطانها وولايتها، لها الاسم ولغيرها الحكم، لها السكة والخطبة ولغيرها الأمر والنهي ...] انظر : [الحديث حجـــة بنفسه ص 45].

قال الله - تعالى : {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ۞ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ۞ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ۞ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [سورة النمل 50 – 53].

نسأل الله العفوَ والعافيــــة.

جزى الله علمائنا الأعلام منارات الهدى خير الجزاء ونفع بعلمهم، وحفظ الله سائر بلاد المسلمين آمنـــــًة مطمئنــــــة، آمين ... آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق