الوادي المقدّس طوى
هو الجبل المقدّس الذي يقع بجنوب سيناء، والذي مرّ به أنبياء الله إبراهيم، وعيسى، ويوسف، ويعقوب عليهم أفضل السلام، وعاش على أرضها موسى وإلياس عليهما السلام، ويوجد فيها ضريح صالح، وهارون عليهما السلام، ومرّ بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم أثناء رحلة الإسراء والمعراج، وهي أرض الفيروز المباركة التي دافع عنها المصريين بدمائهم الطّهورة التي سالت على رمالها، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ووصفها الله عزّ وجل بالمكان المقدّس، والتي تجلّت قدرته برفع جبل الطور وتعليقه بين السماء والأرض وجعله مكان مقدّس.
الوادي المقدّس هوالذي كلّم الله نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام أثناء خروجه من وادي شعيب بالأردن عائداً إلى مصر، وكان برفقته عائلته، وعندما كان يمشي سيدنا موسى عليه السلام رأى ناراً بعيدة، فأخبر عائلته بأن ينتظروه حتّى يعود إليهم إمّا بنار تمنحهمالدفء، أو ليجد من يدلّه على الطريق إلى مصر، حيث كلّمه الله عند هذا الجبل وأخبره بأنّه ربّه وأنّه اختاره نبيّاً لهداية فرعون وقومه، الذي كان يطغى في الأرض ويعيث فيها الفساد، ويقتل الأطفال الذكور، ويستحيي النساء، ويهديه للحق هو ومن كان معه من جنود، ويترك الضلال.
كما وطلب سيدنا موسى عليه السلام من ربّه أن يبعث معه أخاه هارون، حتّى إن كذّبه فرعون يصدّقه هارون ويؤازره، فوافق الله عزّ وجل على طلب سيدنا موسى وأرسل معه أخوه هارون إلى فرعون، وأمر الله عزّ وجل سيدنا موسى أن يكلّم فرعون ويهديه إلى تقوى الله تعالى ومخافته، وأن يتحدّث معه باللين والكلام الطيّب، ولكن فرعون لم يصدّقه وقال لسيدنا موسى عليه السلام أنّه يريد أن يرى معجزة تُثبت صحّة قوله، فوافق سيدنا موسى على طلبه، فأحضر فرعون سحرة من كل مكان ليثبِت لسيدنا موسى بأنّ ماجاء به هو سحر عظيم، ووعد فرعون السّحرة بأنّه سيعطيهم الذهب، والغنائم، والمال، والعز، والجاه وأنّه سيجعلهم يعيشون في قصره، فعند لقائهم سيدنا موسى ومشاهدتهم لمعجزته والتي تمثّلت بخروج يده بيضاء، وتحوّل عصاه لأفعى تسعى، خرّوا السحرة ساجدين، فغضب منهم فرعون وقال لهم أتسجدون قبل أن آذن لكم، فأمرهم بأن لا يؤمنوا بموسى ولكنهم أبوا، وقد جاءهم الحق من ربهم وآمنوا به وتابوا إلى الله، فقطع فرعون أيديهم وأرجلهم، وكان هلاك فرعون وجنوده غرقهم في البحر حينما لحقوا سيدنا موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، وكيف أنّ الله شقّ لهم البحر ليمرّوا من خلاله بسلام، فنجى سيدنا موسى ومن معه، وغرق فرعون وجنوده، ومن هذا المكان المقدّس كانت نبوءة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
في سيناء ، جمهورية مصر العربية المكان الحادي عشر الذي يبحث عنه في رحلة سيدنا موسى عليه السلام، أن المرجح له الآن هو أن الوادي المقدس طوى في مدخل وادي "إسلا " وأن سيدنا موسى عليه السلام مر من هذا الوادي ثم خرج ثم رأى النار. "الوادي المقدس طوى" في وادي "إسلا " التابع لمدينة طور سيناء عاصمة محافظة جنوب سيناء، والذي يبعد عن العاصمة حوالي 35 كيلو مترا، الأسباب أن الوادي المقدس طوى في مدخل وادي "إسلا" إلى أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أن هذا الوادي بجانب الطور الأيمن وأن سيدنا موسى عليه السلام خرج من "مدين" وهي تحديداً تقع بالقرب من مدينة "البدع" التابعة لمنطقة "تبوك" التي تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية متجها إلى مصر والطريق يمر بميناء "نبق" في شرم الشيخ ثم وادي "الكيت"، إلى أن وادي "إسلا" يخرج من وادي "الكيت". وبعض أهالي البدو في المنطقة أكدوا له أن وادي "إسلا" هو أقصر مكان إلى جبل الطور أن سيدنا موسى عليه السلام، كان معه زوجته وأولاده وأغنام كثيرة وكان يمشي في الأرض التي ترعى فيها الأغنام وأن الآيات القرآنية كلها أشارت إلى أنه نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة مسترشدًا بقوله تعالى في سورة القصص: "فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين"، وقوله تعالى في سورة طه: " (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي). و"تابع" فالمناداة التي نودي فيها سيدنا موسى عليه السلام، كانت من جانب الطور وفي مكان مكشوف يستطيع فيه أن يرى النار وأنه ترك أهله في مكان ثم سار إلى النار فناداه ربه سبحانه وتعالى قائلا: " إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى".
قدسيته[عدل]
هذا المكان مقدس عند الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام جبل الطور كلم الله فيه سيدنا موسى عليه السلام تكليما.
ذكره في القران[عدل]
(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) سورة طه
الوادي المقدس طوى
جاء في كتاب (نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي) للدكتور شحرور ما يلي:
“نفتح التنزيل الحكيم فنقرأ أن لله اسماً حسناً هو القدوس أي القادر على الإحياء. ونقرأ قوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..} البقرة 87. ولما كان إحياء الموتى بإذن الله هو أحد البينات التي أوتيها عيسى. فنحن نفهم أن المقدس هو الحي، ونفهم أن أي نص حي يحمل صفة الحياة هو نص مقدس. والتنـزيل الحكيم نص مقدس لأنه يحمل صفة الحياة، ولأنه جاء لأحياء عاقلين لا لأموات”.
أما الآن وبنفس السياق سوف نبحث بعض جوانب قصة سيدنا موسى.
فالمعروف أن الله كلم سيدنا موسى بالوادي المقدس طوى.
حيث قال تعالى في سورة طه آية 12 {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}
و جاء في تفسير ابن كثير “قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو ذَرّ وَأَبُو أَيُّوب وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف كَانَتَا مِنْ جِلْد حِمَار غَيْر ذَكِيّ وَقِيلَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ تَعْظِيمًا لِلْبَيْعَةِ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر كَمَا يُؤْمَر الرَّجُل أَنْ يَخْلَع نَعْلَيْهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل الْكَعْبَة وَقِيلَ لِيَطَأ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِقَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْر مُنْتَعِل وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم وَقَوْله ” طُوًى ” قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس هُوَ اِسْم لِلْوَادِي وَكَذَا قَالَ غَيْر وَاحِد فَعَلَى هَذَا يَكُون عَطْف بَيَان وَقِيلَ عِبَارَة عَنْ الْأَمْر بِالْوَطْءِ بِقَدَمَيْهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ وَطَوَى لَهُ الْبَرَكَة وَكُرِّرَتْ وَالْأَوَّل أَصَحّ كَقَوْلِهِ إِذْ نَادَاهُ رَبّه بِالْوَادِي الْمُقَدَّس طُوًى”.
و من المعروف أيضا أن السامري هو واحد من أتباع سيدنا موسى وعبر معه البحر ولكنه كفر عند ذهاب سيدنا موسى لملاقاة ربه وصنع لقومه من حليهم عجل جسد له خوار أي أنه فيه شيء من الحياة. ولكن كيف استطاع أن يفعل ذلك؟
جاء في سورة طه آية 95 – 97 (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)
وجاء في تفسير ابن كثير للآية 96 “{قَالَ بَصُرْت بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أَيْ رَأَيْت جِبْرِيل حِين جَاءَ لِهَلَاكِ فِرْعَوْن فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول أَيْ مِنْ أَثَر فَرَسه هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرهمْ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار بْن الْحَارِث أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أُبَيّ بْن عُمَارَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ إِنَّ جِبْرِيل لَمَّا نَزَلَ فَصَعِدَ بِمُوسَى إِلَى السَّمَاء بَصُرَ بِهِ السَّامِرِيّ مِنْ بَيْن النَّاس فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر الْفَرَس قَالَ: وَحَمَلَ جِبْرِيل مُوسَى خَلْفه حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ بَاب السَّمَاء صَعِدَ وَكَتَبَ اللَّه الْأَلْوَاح وَهُوَ يَسْمَع صَرِير الْأَقْلَام فِي الْأَلْوَاح فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ قَوْمه قَدْ فُتِنُوا مِنْ بَعْده قَالَ نَزَلَ مُوسَى فَأَخَذَ الْعِجْل فَأَحْرَقَهُ غَرِيب وَقَالَ مُجَاهِد فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول قَالَ مِنْ تَحْت حَافِر فَرَس جِبْرِيل قَالَ وَالْقَبْضَة مِلْء الْكَفّ وَالْقَبْضَة بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع قَالَ مُجَاهِد نَبَذَ السَّامِرِيّ أَيْ أَلْقَى مَا كَانَ فِي يَده عَلَى حِلْيَة بَنِي إِسْرَائِيل فَانْسَبَكَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار حَفِيف الرِّيح فِيهِ فَهُوَ خُوَاره وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع حَدَّثَنَا عُمَارَة حَدَّثَنَا عِكْرِمَة أَنَّ السَّامِرِيّ رَأَى الرَّسُول فَأُلْقِيَ فِي رَوْعه أَنَّك إِنْ أَخَذْت مِنْ أَثَر هَذَا الْفَرَس قَبْضَة فَأَلْقَيْتهَا فِي شَيْء فَقُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول فَيَبِسَتْ أَصَابِعه عَلَى الْقَبْضَة فَلَمَّا ذَهَبَ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيل قَدْ اِسْتَعَارُوا حُلِيّ آلِ فِرْعَوْن فَقَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ إِنَّمَا أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْل هَذَا الْحُلِيّ فَاجْمَعُوا فَجَمَعُوهُ فَأَوْقَدُوا عَلَيْهِ فَذَابَ فَرَآهُ السَّامِرِيّ فَأُلْقِيَ فِي رَوْعه أَنَّك لَوْ قَذَفْت هَذِهِ الْقَبْضَة فِي هَذِهِ فَقُلْت كُنْ فَكَانَ فَقَذَفَ الْقَبْضَة وَقَالَ كُنْ فَكَانَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار فَقَالَ هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى وَلِهَذَا قَالَ فَنَبَذْتهَا أَيْ أَلْقَيْتهَا مَعَ مَنْ أَلْقَى وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أَيْ حَسَّنَتْهُ وَأَعْجَبَهَا إِذْ ذَاكَ”.
و تفسيري أنا لما حدث وعلى ضوء أن المقدس والقدس له علاقة ببعث الحياة أن سيدنا موسى كلم الله في الوادي المقدس (أو وادي الحياة) وكانت عصاه على شكل ثعبان وحذائه مصنوع ربما على شكل حيوان ما، فأمره الله أن يخلع نعليه حتى لا تدب الحياة فيهما بينما أمره أن يلقي العصى على أرض الوادي فنفخت الروح فيها وبدأت تتحرك كثعبان حي وتعود كعصى كلما التقطها. فذهب إلى فرعون بهذه المعجزة وغيرها، فكفر بهن فرعون وغرق بالبحر بينما عبر سيدنا موسى البحر إلى الطرف الآخر.
حتى أن ضرب البحر بالعصى التي لامست وادي الحياة أو الوادي المقدس ربما كان السبب في أن يعي البحر الأوامر وينفلق فاسحا المجال لسيدنا موسى وقومه بالعبور.
وكون سيدنا موسى قد وطأ الوادي المقدس بقدميه الحافيتين فإنه أصبح كلما وطأ الأرض بقدميه الحافيتين نتج نمو نباتي مكان خطواته، وقد لاحظ السامري (أحد أفراد قوم سيدنا موسى) تلك المعجزة وقبض قبضة من التراب الذي داسه سيدنا موسى حافيا ورماها بالعجل الذي صنعه من مجوهرات قومه فكان أثره على العجل أضعف من أن يبعث فيه الحياة ولكنه كان كافي لأن يصدر هذا العجل خوار.
ولعل السامري بقبضه على التراب قد اكتسب قدرة في يديه تجعله قادر على بعث الحياة بإذن الله بالأشياء التي يلمسها أو يمسها وهذه القدرة هي نقمة على من لا يستطيع التحكم بها وبالتالي قضى حياته يقول لا مساس فهو يخشى أن يمس أي شيء لأنه سيعود للحياة والحركة. ولنتخيل أحدنا يأكل قطعة لحم وهي تتلوى وتتحرك في يدنا.
قال تعالى في سورة طه آية 97 {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما أتاها نودي يا موسى ( 11 ) إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ( 12 ) )
يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه ( يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك ) . [ ص: 278 ]
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : خرج موسى نحوها ، يعني نحو النار ، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة ، فلما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس في نفسه منها خيفة; فلما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى ( يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فخلعها فألفاها .
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي قلابة ، عن كعب ، أنه رآهم يخلعون نعالهم ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ميت .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ، أن نعليه كانتا من جلد حمار ، فخلعهما ثم أتاه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج . قال : وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان ، عن معمر ، عن جابر الجعفي ، عن علي بن أبي طالب ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما . قال : وقال قتادة مثل ذلك .
وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني [ ص: 279 ] حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كانتا ، يعني نعلي موسى من بقر ، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرتين . قال ابن جريج : وقيل لمجاهد : زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض .
حدثني يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعني ابن علية ، سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله : ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان واديا مقدسا .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة ، وإن في قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) بعقبه دليلا واضحا ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا .
ولو كان الخبر الذي حدثنا به بشر قال : ثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "يوم كلم الله موسى ، كانت عليه جبة صوف وكساء صوف ، و سراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى " صحيحا لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( إني أنا ربك ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة " نودي يا موسى أني " بفتح الألف من "أني" ، فأن على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه : كان عندهم نودي هذا القول ، وقرأه بعض عامة قراء المدينة والكوفة بالكسر : نودي يا موسى إني ، على الابتداء ، وأن معنى ذلك قيل : يا موسى إني .
قال أبو جعفر : والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى " ، وحظ قوله "نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى " ، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إني أنا ربك ، [ ص: 280 ] ولا حظ لها في "إن" التي بعد موسى .
وأما قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك .
كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يقول : المبارك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : قدس بورك مرتين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : بالوادي المبارك .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طوى ) فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلا فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرتين ، وقال : ناداه ربه مرتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى ، أنه بمعنى مرتين ، قول عدي بن زيد العبادي :
أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد
[ ص: 281 ]
وروى ذلك آخرون : "علي ثنى" : أي مرة بعد أخرى ، وقالوا : طوى وثنى بمعنى واحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه واد قدس مرتين ، وأن اسمه طوى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدس طوى : مرتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كان قد قدس مرتين .
وقال آخرون : بل طوى : اسم الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( طوى ) : اسم للوادي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طوى : قال : اسم الوادي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( بالوادي المقدس طوى ) قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إليه من الله ما كان ، قال : وهو نحو الطور .
وقال آخرون : بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا صالح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن [ ص: 282 ] سعيد بن جبير ، في قول الله ( طوى ) قال : طأ الأرض حافيا ، كما تدخل الكعبة حافيا ، يقول : من بركة الوادي .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( طوى ) طأ الأرض حافيا .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة ( طوى ) بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر :
نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين حين تواكل الأبطال
فلم يجر حنين ، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي : ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القراء ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) وكما قال الآخر :
ألسنا أكرم الثقلين رحلا وأعظمهم ببطن حراء نارا
فلم يجر حراء ، وهو جبل ، لأنه حمله اسما للبلدة ، فكذلك طوى" في قراءة من لم يجره جعله اسما للأرض . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة : ( طوى ) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه ، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله ( ويوم حنين ) إذ كان حنين اسم واد ، والوادي مذكر .
قال أبو جعفر : وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، وإن كان مصدرا أو مفسرا ، فكذلك أيضا حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض ردا على الوادي . [ ص: 283 ]
هو الجبل المقدّس الذي يقع بجنوب سيناء، والذي مرّ به أنبياء الله إبراهيم، وعيسى، ويوسف، ويعقوب عليهم أفضل السلام، وعاش على أرضها موسى وإلياس عليهما السلام، ويوجد فيها ضريح صالح، وهارون عليهما السلام، ومرّ بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم أثناء رحلة الإسراء والمعراج، وهي أرض الفيروز المباركة التي دافع عنها المصريين بدمائهم الطّهورة التي سالت على رمالها، والتي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ووصفها الله عزّ وجل بالمكان المقدّس، والتي تجلّت قدرته برفع جبل الطور وتعليقه بين السماء والأرض وجعله مكان مقدّس.
الوادي المقدّس هوالذي كلّم الله نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام أثناء خروجه من وادي شعيب بالأردن عائداً إلى مصر، وكان برفقته عائلته، وعندما كان يمشي سيدنا موسى عليه السلام رأى ناراً بعيدة، فأخبر عائلته بأن ينتظروه حتّى يعود إليهم إمّا بنار تمنحهمالدفء، أو ليجد من يدلّه على الطريق إلى مصر، حيث كلّمه الله عند هذا الجبل وأخبره بأنّه ربّه وأنّه اختاره نبيّاً لهداية فرعون وقومه، الذي كان يطغى في الأرض ويعيث فيها الفساد، ويقتل الأطفال الذكور، ويستحيي النساء، ويهديه للحق هو ومن كان معه من جنود، ويترك الضلال.
كما وطلب سيدنا موسى عليه السلام من ربّه أن يبعث معه أخاه هارون، حتّى إن كذّبه فرعون يصدّقه هارون ويؤازره، فوافق الله عزّ وجل على طلب سيدنا موسى وأرسل معه أخوه هارون إلى فرعون، وأمر الله عزّ وجل سيدنا موسى أن يكلّم فرعون ويهديه إلى تقوى الله تعالى ومخافته، وأن يتحدّث معه باللين والكلام الطيّب، ولكن فرعون لم يصدّقه وقال لسيدنا موسى عليه السلام أنّه يريد أن يرى معجزة تُثبت صحّة قوله، فوافق سيدنا موسى على طلبه، فأحضر فرعون سحرة من كل مكان ليثبِت لسيدنا موسى بأنّ ماجاء به هو سحر عظيم، ووعد فرعون السّحرة بأنّه سيعطيهم الذهب، والغنائم، والمال، والعز، والجاه وأنّه سيجعلهم يعيشون في قصره، فعند لقائهم سيدنا موسى ومشاهدتهم لمعجزته والتي تمثّلت بخروج يده بيضاء، وتحوّل عصاه لأفعى تسعى، خرّوا السحرة ساجدين، فغضب منهم فرعون وقال لهم أتسجدون قبل أن آذن لكم، فأمرهم بأن لا يؤمنوا بموسى ولكنهم أبوا، وقد جاءهم الحق من ربهم وآمنوا به وتابوا إلى الله، فقطع فرعون أيديهم وأرجلهم، وكان هلاك فرعون وجنوده غرقهم في البحر حينما لحقوا سيدنا موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل، وكيف أنّ الله شقّ لهم البحر ليمرّوا من خلاله بسلام، فنجى سيدنا موسى ومن معه، وغرق فرعون وجنوده، ومن هذا المكان المقدّس كانت نبوءة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
في سيناء ، جمهورية مصر العربية المكان الحادي عشر الذي يبحث عنه في رحلة سيدنا موسى عليه السلام، أن المرجح له الآن هو أن الوادي المقدس طوى في مدخل وادي "إسلا " وأن سيدنا موسى عليه السلام مر من هذا الوادي ثم خرج ثم رأى النار. "الوادي المقدس طوى" في وادي "إسلا " التابع لمدينة طور سيناء عاصمة محافظة جنوب سيناء، والذي يبعد عن العاصمة حوالي 35 كيلو مترا، الأسباب أن الوادي المقدس طوى في مدخل وادي "إسلا" إلى أن الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن الكريم أن هذا الوادي بجانب الطور الأيمن وأن سيدنا موسى عليه السلام خرج من "مدين" وهي تحديداً تقع بالقرب من مدينة "البدع" التابعة لمنطقة "تبوك" التي تقع شمال غرب المملكة العربية السعودية متجها إلى مصر والطريق يمر بميناء "نبق" في شرم الشيخ ثم وادي "الكيت"، إلى أن وادي "إسلا" يخرج من وادي "الكيت". وبعض أهالي البدو في المنطقة أكدوا له أن وادي "إسلا" هو أقصر مكان إلى جبل الطور أن سيدنا موسى عليه السلام، كان معه زوجته وأولاده وأغنام كثيرة وكان يمشي في الأرض التي ترعى فيها الأغنام وأن الآيات القرآنية كلها أشارت إلى أنه نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة مسترشدًا بقوله تعالى في سورة القصص: "فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين"، وقوله تعالى في سورة طه: " (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي). و"تابع" فالمناداة التي نودي فيها سيدنا موسى عليه السلام، كانت من جانب الطور وفي مكان مكشوف يستطيع فيه أن يرى النار وأنه ترك أهله في مكان ثم سار إلى النار فناداه ربه سبحانه وتعالى قائلا: " إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى".
قدسيته[عدل]
هذا المكان مقدس عند الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام جبل الطور كلم الله فيه سيدنا موسى عليه السلام تكليما.
ذكره في القران[عدل]
(وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى(11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى(12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى(13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) سورة طه
الوادي المقدس طوى
جاء في كتاب (نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي) للدكتور شحرور ما يلي:
“نفتح التنزيل الحكيم فنقرأ أن لله اسماً حسناً هو القدوس أي القادر على الإحياء. ونقرأ قوله تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ..} البقرة 87. ولما كان إحياء الموتى بإذن الله هو أحد البينات التي أوتيها عيسى. فنحن نفهم أن المقدس هو الحي، ونفهم أن أي نص حي يحمل صفة الحياة هو نص مقدس. والتنـزيل الحكيم نص مقدس لأنه يحمل صفة الحياة، ولأنه جاء لأحياء عاقلين لا لأموات”.
أما الآن وبنفس السياق سوف نبحث بعض جوانب قصة سيدنا موسى.
فالمعروف أن الله كلم سيدنا موسى بالوادي المقدس طوى.
حيث قال تعالى في سورة طه آية 12 {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}
و جاء في تفسير ابن كثير “قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو ذَرّ وَأَبُو أَيُّوب وَغَيْر وَاحِد مِنْ السَّلَف كَانَتَا مِنْ جِلْد حِمَار غَيْر ذَكِيّ وَقِيلَ إِنَّمَا أَمَرَهُ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ تَعْظِيمًا لِلْبَيْعَةِ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر كَمَا يُؤْمَر الرَّجُل أَنْ يَخْلَع نَعْلَيْهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل الْكَعْبَة وَقِيلَ لِيَطَأ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة بِقَدَمَيْهِ حَافِيًا غَيْر مُنْتَعِل وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم وَقَوْله ” طُوًى ” قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس هُوَ اِسْم لِلْوَادِي وَكَذَا قَالَ غَيْر وَاحِد فَعَلَى هَذَا يَكُون عَطْف بَيَان وَقِيلَ عِبَارَة عَنْ الْأَمْر بِالْوَطْءِ بِقَدَمَيْهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ وَطَوَى لَهُ الْبَرَكَة وَكُرِّرَتْ وَالْأَوَّل أَصَحّ كَقَوْلِهِ إِذْ نَادَاهُ رَبّه بِالْوَادِي الْمُقَدَّس طُوًى”.
و من المعروف أيضا أن السامري هو واحد من أتباع سيدنا موسى وعبر معه البحر ولكنه كفر عند ذهاب سيدنا موسى لملاقاة ربه وصنع لقومه من حليهم عجل جسد له خوار أي أنه فيه شيء من الحياة. ولكن كيف استطاع أن يفعل ذلك؟
جاء في سورة طه آية 95 – 97 (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا)
وجاء في تفسير ابن كثير للآية 96 “{قَالَ بَصُرْت بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} أَيْ رَأَيْت جِبْرِيل حِين جَاءَ لِهَلَاكِ فِرْعَوْن فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول أَيْ مِنْ أَثَر فَرَسه هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد كَثِير مِنْ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ أَكْثَرهمْ وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمَّار بْن الْحَارِث أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل عَنْ السُّدِّيّ عَنْ أُبَيّ بْن عُمَارَة عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ إِنَّ جِبْرِيل لَمَّا نَزَلَ فَصَعِدَ بِمُوسَى إِلَى السَّمَاء بَصُرَ بِهِ السَّامِرِيّ مِنْ بَيْن النَّاس فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر الْفَرَس قَالَ: وَحَمَلَ جِبْرِيل مُوسَى خَلْفه حَتَّى إِذَا دَنَا مِنْ بَاب السَّمَاء صَعِدَ وَكَتَبَ اللَّه الْأَلْوَاح وَهُوَ يَسْمَع صَرِير الْأَقْلَام فِي الْأَلْوَاح فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّ قَوْمه قَدْ فُتِنُوا مِنْ بَعْده قَالَ نَزَلَ مُوسَى فَأَخَذَ الْعِجْل فَأَحْرَقَهُ غَرِيب وَقَالَ مُجَاهِد فَقَبَضْت قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول قَالَ مِنْ تَحْت حَافِر فَرَس جِبْرِيل قَالَ وَالْقَبْضَة مِلْء الْكَفّ وَالْقَبْضَة بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع قَالَ مُجَاهِد نَبَذَ السَّامِرِيّ أَيْ أَلْقَى مَا كَانَ فِي يَده عَلَى حِلْيَة بَنِي إِسْرَائِيل فَانْسَبَكَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار حَفِيف الرِّيح فِيهِ فَهُوَ خُوَاره وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع حَدَّثَنَا عُمَارَة حَدَّثَنَا عِكْرِمَة أَنَّ السَّامِرِيّ رَأَى الرَّسُول فَأُلْقِيَ فِي رَوْعه أَنَّك إِنْ أَخَذْت مِنْ أَثَر هَذَا الْفَرَس قَبْضَة فَأَلْقَيْتهَا فِي شَيْء فَقُلْت لَهُ كُنْ فَكَانَ فَقَبَضَ قَبْضَة مِنْ أَثَر الرَّسُول فَيَبِسَتْ أَصَابِعه عَلَى الْقَبْضَة فَلَمَّا ذَهَبَ مُوسَى لِلْمِيقَاتِ وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيل قَدْ اِسْتَعَارُوا حُلِيّ آلِ فِرْعَوْن فَقَالَ لَهُمْ السَّامِرِيّ إِنَّمَا أَصَابَكُمْ مِنْ أَجْل هَذَا الْحُلِيّ فَاجْمَعُوا فَجَمَعُوهُ فَأَوْقَدُوا عَلَيْهِ فَذَابَ فَرَآهُ السَّامِرِيّ فَأُلْقِيَ فِي رَوْعه أَنَّك لَوْ قَذَفْت هَذِهِ الْقَبْضَة فِي هَذِهِ فَقُلْت كُنْ فَكَانَ فَقَذَفَ الْقَبْضَة وَقَالَ كُنْ فَكَانَ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَار فَقَالَ هَذَا إِلَهكُمْ وَإِلَه مُوسَى وَلِهَذَا قَالَ فَنَبَذْتهَا أَيْ أَلْقَيْتهَا مَعَ مَنْ أَلْقَى وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي أَيْ حَسَّنَتْهُ وَأَعْجَبَهَا إِذْ ذَاكَ”.
و تفسيري أنا لما حدث وعلى ضوء أن المقدس والقدس له علاقة ببعث الحياة أن سيدنا موسى كلم الله في الوادي المقدس (أو وادي الحياة) وكانت عصاه على شكل ثعبان وحذائه مصنوع ربما على شكل حيوان ما، فأمره الله أن يخلع نعليه حتى لا تدب الحياة فيهما بينما أمره أن يلقي العصى على أرض الوادي فنفخت الروح فيها وبدأت تتحرك كثعبان حي وتعود كعصى كلما التقطها. فذهب إلى فرعون بهذه المعجزة وغيرها، فكفر بهن فرعون وغرق بالبحر بينما عبر سيدنا موسى البحر إلى الطرف الآخر.
حتى أن ضرب البحر بالعصى التي لامست وادي الحياة أو الوادي المقدس ربما كان السبب في أن يعي البحر الأوامر وينفلق فاسحا المجال لسيدنا موسى وقومه بالعبور.
وكون سيدنا موسى قد وطأ الوادي المقدس بقدميه الحافيتين فإنه أصبح كلما وطأ الأرض بقدميه الحافيتين نتج نمو نباتي مكان خطواته، وقد لاحظ السامري (أحد أفراد قوم سيدنا موسى) تلك المعجزة وقبض قبضة من التراب الذي داسه سيدنا موسى حافيا ورماها بالعجل الذي صنعه من مجوهرات قومه فكان أثره على العجل أضعف من أن يبعث فيه الحياة ولكنه كان كافي لأن يصدر هذا العجل خوار.
ولعل السامري بقبضه على التراب قد اكتسب قدرة في يديه تجعله قادر على بعث الحياة بإذن الله بالأشياء التي يلمسها أو يمسها وهذه القدرة هي نقمة على من لا يستطيع التحكم بها وبالتالي قضى حياته يقول لا مساس فهو يخشى أن يمس أي شيء لأنه سيعود للحياة والحركة. ولنتخيل أحدنا يأكل قطعة لحم وهي تتلوى وتتحرك في يدنا.
قال تعالى في سورة طه آية 97 {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا}
القول في تأويل قوله تعالى : ( فلما أتاها نودي يا موسى ( 11 ) إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ( 12 ) )
يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه ( يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك ) . [ ص: 278 ]
كما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : خرج موسى نحوها ، يعني نحو النار ، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة ، فلما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس في نفسه منها خيفة; فلما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى ( يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فخلعها فألفاها .
واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي قلابة ، عن كعب ، أنه رآهم يخلعون نعالهم ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ميت .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ، أن نعليه كانتا من جلد حمار ، فخلعهما ثم أتاه .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج . قال : وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان ، عن معمر ، عن جابر الجعفي ، عن علي بن أبي طالب ( فاخلع نعليك ) قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما . قال : وقال قتادة مثل ذلك .
وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني [ ص: 279 ] حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كانتا ، يعني نعلي موسى من بقر ، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرتين . قال ابن جريج : وقيل لمجاهد : زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض .
حدثني يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعني ابن علية ، سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله : ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان واديا مقدسا .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة ، وإن في قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) بعقبه دليلا واضحا ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا .
ولو كان الخبر الذي حدثنا به بشر قال : ثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "يوم كلم الله موسى ، كانت عليه جبة صوف وكساء صوف ، و سراويل صوف ، ونعلان من جلد حمار غير مذكى " صحيحا لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( إني أنا ربك ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة والبصرة " نودي يا موسى أني " بفتح الألف من "أني" ، فأن على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه : كان عندهم نودي هذا القول ، وقرأه بعض عامة قراء المدينة والكوفة بالكسر : نودي يا موسى إني ، على الابتداء ، وأن معنى ذلك قيل : يا موسى إني .
قال أبو جعفر : والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله " يا موسى " ، وحظ قوله "نودي" أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله " يا موسى " ، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إني أنا ربك ، [ ص: 280 ] ولا حظ لها في "إن" التي بعد موسى .
وأما قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك .
كما حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يقول : المبارك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : قدس بورك مرتين .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : بالوادي المبارك .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( طوى ) فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : قوله ( إنك بالوادي المقدس طوى ) يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مر بواديها ليلا فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرتين ، وقال : ناداه ربه مرتين; فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرتين نداءين ، وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى ، أنه بمعنى مرتين ، قول عدي بن زيد العبادي :
أعاذل إن اللوم في غير كنهه علي طوى من غيك المتردد
[ ص: 281 ]
وروى ذلك آخرون : "علي ثنى" : أي مرة بعد أخرى ، وقالوا : طوى وثنى بمعنى واحد .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) كنا نحدث أنه واد قدس مرتين ، وأن اسمه طوى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدس طوى : مرتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كان قد قدس مرتين .
وقال آخرون : بل طوى : اسم الوادي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن داود ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( طوى ) : اسم للوادي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طوى : قال : اسم الوادي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( بالوادي المقدس طوى ) قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إليه من الله ما كان ، قال : وهو نحو الطور .
وقال آخرون : بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : ثنا صالح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى ( فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله ( طوى ) قال : طأ الوادي .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن [ ص: 282 ] سعيد بن جبير ، في قول الله ( طوى ) قال : طأ الأرض حافيا ، كما تدخل الكعبة حافيا ، يقول : من بركة الوادي .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ( طوى ) طأ الأرض حافيا .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة ( طوى ) بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر :
نصروا نبيهم وشدوا أزره بحنين حين تواكل الأبطال
فلم يجر حنين ، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي : ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القراء ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) وكما قال الآخر :
ألسنا أكرم الثقلين رحلا وأعظمهم ببطن حراء نارا
فلم يجر حراء ، وهو جبل ، لأنه حمله اسما للبلدة ، فكذلك طوى" في قراءة من لم يجره جعله اسما للأرض . وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة : ( طوى ) بضم الطاء والتنوين; وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل; فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه ، وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنما ينونه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله ( ويوم حنين ) إذ كان حنين اسم واد ، والوادي مذكر .
قال أبو جعفر : وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، وإن كان مصدرا أو مفسرا ، فكذلك أيضا حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض ردا على الوادي . [ ص: 283 ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق